|
ثقافة كانت تستريح عليها القصة، أو إصدار دواوين للشعر، تكون بعيدة كل البعد عن ماهيّة الشعر فتجد الديوان «كوكتيل» من الأوزان أو الصور التي عبثت بها رياح الضعف والوهن لدى قائلها وتحتار فيما إن كانت القصائد تنتمي لقصيدة النثر أو التفعيلة أو .. أو. وفي بعض الأحيان يفاجئك (المستشعر) بأن معظم مافي ديوانه ملطوش جملة من هنا وجملة من هناك. وقد يلجأ بعضهم إلى دعوة أحد الأدباء ممّن لديه خبرته وتجربته في مجال الشعر والأدب لأخذ رأيه بما لطش ونبش وبحش! إذاً .. أصبح من السهل إصدار كتاب حتى ولو لم يحتو على أيّة أفكار أو صور أو شيءٍ من الإبداع . وقد لا نجد في الكتاب جملة أو مصطلحاً أو صورة تدل على هويّة الكاتب أو علو شأنه الأدبي أو الإبداعي. وهنا أليس من حقنا أن نسأل عن الشيء الجديد الذي قدّمه الكتاب ليشكل رافداً من روافد الأدب .؟! والشيء اللاّفت في الموضوع أننا أصبحنا نرى في بعض المراكز الثقافية حفلات لتوقيع هكذا كُتب ولهاث من قبل صاحب الكتاب لتأمين بيعه ومحاولة استقطاب أصحاب الأقلام الرخيصة لإجراء ما بات يدعى بالدراسة النقديّة للكتاب حيث الزغردة والتطبيل والتصفيق . ولكن ، وللأمانة أقول إنني لم أقرأ حتى الآن إلاّ القليل من المقالات النقديّة التي توضّح الجوانب الإيجابية وكأن الدراسة النقدية حول الكتاب الجديد هي حفل من التطبيل والتذمير لا بل إن هناك البعض ممن يمتهنون ذلك يقومون بتبديل اسم الكتاب والكاتب والشواهد، على أوراق أو دراسات محفوظة لديهم كنماذج فنجدهم يعظمون مشاعر الكاتب وأحاسيسه الجيّاشة وخياله الخصب وغوصه في أغوار اللغة والأدب وما إلى هنالك من مصطلحات أصبحت « معلوكة « بشكلٍ فاضح مع أن بعض هذه الكتب لا تستحق إلاّ الذم الموجع والهجو المقذع ..! أعتقد أنه من الضروري على كل من يود إجراء الدراسات النقدية أن يعي أنّ النقد فنٌ جميل يهذب الآداب وينقيها بقصد إصلاح ما اعوج منها، لا بقصد الظهور وكسب مكانة عالية، كما ذكر أحدهم ممّن وضع نفسه بين الشاعر والشويعر!. النقد فنٌ يصلح ما فسد من أساليب القول وطرق التعبير، كما أنه يهدي إلى حسنات الكتاب والشعراء وبدائعهم لينسج على منوالهم من يأتي بعدهم ، ويرشد إلى مواطن أغلاطهم وأماكن ضعفهم ليتجنبها مقلدوهم والسائرون على أثرهم. لقد عرف الغرب قدر هذا الفن وأدركوا عظيم فائدته ونفعه للأدب فتصدى له أشهر كتّابهم وأبرع أدبائهم فلم يتركوا شجرة في حقل الأدب إلاّ وذاقوا ثمارها وأعطوها حقها من الوصف ولم يدعوا في آثار الأقلام ضعفاً ظاهراً أو خفيفاً ولا معنى واضحاً أو مبهماً ولا تعبيراً رشيقاً ولا جملة بارعة إلاّ أرشدوا إلى ذلك كله ونوّهوا به حتى أشرقت شمس الأدب ووصلت في الجمال إلى الحالة التي نراها اليوم . إذا كان تقدّم الآداب الغربية هو ثمرة عناية أئمة الأدب بالنقد فإن تقهقر آدابنا وانحطاطها والفوضى التي تسري فيها هي بلا شك ثمرة إهمالنا لهذا الفن أو استخدامنا له استخداماً ناقصاً تغلب عليه المجاملة والمداهنة والتصفيق ..! إن أكثر ما يدعو إلى الاستغراب هو بعض أولئك الذين يقفون على أطراف الأدب، يمتهنون الدراسات النقدية عن الكتب التي تصدر حديثاً لدرجة أنّ أحدهم لديه القدرة على أن يقوم بتلك الدراسة لمجرد معرفته بالعنوان أو بالكاتب حتى ولولم يقرأ كلمة واحدة من الكتاب.. فضلاً عن أنه على استعداد دائم ليرتدي عباءة محامي الشيطان ويدافع عمّن يبادله التهليل والتطبيل والمداهنة!! |
|