تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


« نحن جيل بلا أساتذة »

معاً على الطريق
السبت 19-11-2011
قمــر كيــلاني

هذه العبارة قرأتها لإحدى الكاتبات النشيطات لدينا وكنت قد عبرت مراراً وتكراراً عن اندفاعي العميق لظهور المرأة في ساحة الأدب..

وكم وكم من النساء اللواتي ساعدتهن على الخروج من الشرنقة.. وربما ايصال ما يكتبن الى المجلات أو مطابع الكتب. هذا غير مهم.. المهم أننا جميعاً وبلا استثناء أعجبنا بأساتذة لنا أو من هم في مقام الأساتذة واقتبسنا شعلة منهم ولو كانت بحجم عود ثقاب. ولازلت حتى الآن أذكر أساتذتي الكبار الذين لم يساعدوني بمقدار ما ساعدت نفسي في الوصول اليهم: (عبد الله عبد الدايم)، (شكري فيصل)، (شاكر مصطفى)، (عبد الكريم اليافي)، (نيقولا زيادة)، (جبرا إبراهيم جبرا)، (جبور عبد النور)، وغيرهم.. هذا عدا عن تأثرنا نحن الأدباء بعضنا ببعض لا في السياسة فقط بل في القيم التي نعيشها حضارة وتقدماً، وتعلقاً أيضاً بما هو الأصلح من تراثنا.‏

لا أقول فرحت بمقدار ما أقول استغربت هذه اللفتة الناعمة والجدية في الوقت نفسه التي قامت بها الصحفية (رولا حسن) عندما تناولت المشهد الروائي النسوي في سوريا، ويخيل إلي أنها ناقدة ودارسة أكثر منها صحفية.. فلو توجهت الى النقد لكان خيراً فعلت وإلا فلتمزج بين الصحافة والأدب وبينهما جسور لا تنقطع.‏

وأقول دائماً أنني وزميلات وزملاء لي من الجيل نفسه حرصنا على أن تظل هذه الجسور موصولة لأننا نكتب ما يسمى (الصحافة الأدبية).. هكذا بدأ هذا اللون من الصحافة بل ظل هو الوحيد منذ زمن (لطفي السيد)، و(طه حسين)، و(العقاد) في مصر، وغيرهم من الأدباء والصحفيين الكبار في سوريا. وهكذا تتفرع الأمور في الصحافة الأدبية.. ويكون الكاتب مضطراً لأن يقرأ في السياسة والتاريخ والتراث كما يكتب في الحداثة ما قبلها وما بعدها.‏

وليتفرغ الصحفيون السياسيون الى صحافتهم السياسية الخالصة.. وليتركوا لنا نحن أبناء ذلك الجيل أن نعثر على الخيوط النادرة التي تربط ماضينا بحاضرنا.. أو التي تربط الماضي بعضه ببعض وبالتالي الحاضر.‏

وقد أفاجأ بين يوم وآخر أن هناك من يسرد أسماء روايات مثلاً دون أن يدقق من هم أصحابها.. أو أن يذكر مثلاً عربياً قديماً تافهاً ومرفوضاً بقولهم (على نفسها جنت براقش) فهل يعلم أكثرهم أو بعضهم قصة براقش هذه؟ هذه الكلبة التي تصدرت الأمثال والحكم الجاهلية.. وما أكثر الأمثال والحكم التي تتحول الى قوالب جامدة أو الى مأثورات يستفاد منها في كل المناسبات.‏

ومرة سألني أحدهم: ما معنى (عاد بخفي حُنين)؟ فضحكت، وقلت: هذا يستدعي مني ومنك أن نغوص في أجواء معينة ضمن عاداتها وتقاليدها، وماذا جرى مع هذا المسكين (حُنين).. ومن هنا لم أعطه أية معلومة على أمل أن يسأل عنها ويستنتجها بنفسه.‏

نحن أيتها الصحفية الدارسة والناقدة لسنا مقطوعين من أشجار تتعرى منها الأغصان.. بل نحن في كل مرحلة من مراحلنا التاريخية والسياسية وحتى الثقافية ننسج أمثلة لأجيال تلينا ولتلامذة يقتطفون من حقولنا ما زها وأزهر منها.‏

ومما يرطب فؤادي الى حد كبير أن الانترنيت أصبح يغني الناس عن الرجوع أحياناً الى المصادر والكتب، وربما الى الحكايات والقصص ليستفيد المرء من معلومة.. ولو أن المحتوى العربي على الانترنيت في رأيي لا يزال ناقصاً وأحياناً ممسوخاً وكأننا ننقل صفحات من كتاب وربما نقلنا الكتاب كله على عجره وبجره دون أن نتحمل مسؤولية من سيقرأ هذا الكلام، وكيف سيتأثر به، وهل فيه الفائدة لنا؟‏

والحضارة لا تقدم لنا كل شيء بل علينا نحن أن نبحث عن كل شيء.. وها هو الضجيج والخصام والمهاترات تشحن الجو عندنا بما لا يفيد أكثر مما يفيد.‏

سلام عليك أيتها الأجيال إذا لم تنتبهي الى الصغيرة قبل الكبيرة.. والى الخطر البعيد قبل الخطر القريب.‏

الأساتذة موجودون.. ولو كانوا في كتاب قابل للأخذ والرد.. غائبون لا في عمق الأرض بل في عمق التاريخ.. وتاريخنا سحيق سحيق لكنه رفيق وشفيق.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية