|
حصاد الورق فهو الشاعر الذي يرجع الجذر الدلالي لتسميته إلى المعرفة والفطنة بالأشياء والتنبيه إلى العلامات التي لايفطن إليها غيره كما يقول جابر عصفور في الاتحاد الثقافي العدد 247 لذلك قرن العرب القدماء قراناً واحداً الشاعر والساحر والعراف والكاهن وتصوروا «الشعر» قادراً على لمح الغيب. فالشعر نوع من السحر ومعرفة نوعية حدسية تدرك مالا يدركه الآخرون ولم يكن من قبيل المصادفة والأمر كذلك أن يرد العرب الجاهليون الشعر إلى قوى علوية وأن ينزلوا الشعراء منزلة الأنبياء أو يجعلوا لكل شاعر رئياً من الجن والرئي في اللغة هو الجني الذي يرى فيحب أما رئي القوم فهو الحكيم الذي يرجعون إليه ويصدعون بما يتلقونه منه أوعنه. ولم تكن فكرة الإلهام التي يتنزل بها الشعر على الشاعر بعيدة عن غير العرب فهي ترجع إلى الاغريق وتردنا إلى حضور الفاتيس الذي تتكشف له كل الحجب فيرى مالا يرى ويسمع مالا يسمع وتتقمص حضوره آلهة الشعر وقت الكتابة أو النظم كما وصفه افلاطون في محاورته الشهيرة «أيون». ورغم المؤشرات والإحالات السابقة ليس من الضروري أن نغالي في قدرات الشاعر بخاصة أو الأديب بعامة، فمن المؤكد أن الرؤية المرهفة للواقع والغوص عميقاً في علاقاته يمكن أن نقدم لذوي العقول والقلوب المرهفة في نوع من الحدس علامات ترهص بالمستقبل وتومىء إلى حركته سلباً أو إيجاباً. وإذا تتبعنا الأدب العربي الحديث والمعاصر سنجد فيه الكثير مما يدل على ذلك من تلك النماذج التي تنطوي على قدرة تنبؤية مستقبلية رواية ميرامار فكل من قرأ رواية نجيب محفوظ لفتتهم نهايتها التي تؤكد عجز كل الشخصيات التي أحاطت طامعة بالبطلة زهرة وذلك في مشهد ختامي أقرب إلى مشاهد النهاية التي لابد أن تعقبها بداية جديدة حتماً. وقد حدثت النهاية بعد نشر الرواية بأشهر معدودة مصحوبة بزلزال العام السابع والستين الذي كان نهاية زمن وبداية زمن مغاير بالقطع. وقس على ذلك قصيدة «غزاة مدينتنا» للشاعر محمد ابراهيم أبو سنة التي أذكر أنني قرأتها حوالي عام 1965 فقد كانت القصيدة تتحدث عن غزو قادم سببه نحن الذين تركنا مدينتنا لتعاني ماعانته وانتهكناها قبل أن ينتهكها الآخرون. |
|