تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


مــن 1945 إلـــى 2011.. أحــلام علــى الــورق ومســتقبل مجهـــول

قاعدة الحدث
الخميس 24-11-2011
إعداد: فؤاد الوادي

لقد احتلت فكرة الوحدة العربية عقول الشعوب العربية منذ عدة قرون واستحوذت على اهتمام وأفكار الإصلاحيين والقوميين العرب،

فكانت ولادة الجامعة العربية تتويجا لحركة القومية العربية والفكر القومي العربي على امتداد التاريخ، وبالذات منذ نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين.‏

وبالرجوع قليلاً إلى الظروف التي حرضت على إنشاء هذا التحالف العربي نجد أن البداية كانت مع اشتداد الضغط النازي والفاشي على الدول الأوروبية أثناء الحرب العالمية الثانية، حيث رأت بريطانيا وفرنسا في ذلك الوقت أن الوسيلة الأنسب لتهدئة الأوضاع داخل مستعمراتها في البلاد العربية، هي وعدها إياهم بمنحهم استقلالهم عقب انتهاء الحرب، كما شجعتهم لتحقيق مآربها تلك بدعوتهم إلى الوحدة بحسب ما جاء على لسان وزير خارجيتها أنتوني إيدن عام 1941. ونتيجة لذلك تحرك بعض القادة العرب مستغلين تلك التصريحات باتجاه إنشاء جامعة الدول العربية، فدعا مصطفى النحاس رئيس الوزراء المصري كلاً من جميل مردم رئيس وزراء سوريا والشيخ بشارة الخوري رئيس الكتلة الوطنية في لبنان الذي أصبح رئيساً للجمهورية فيما بعد إلى زيارة لمصر وتبادل وجهات النظر فيما يختص بفكرة جامعة للدول العربية التي ستنال استقلالها.‏

وفي أيلول 1943 بدأت المشاورات العربية بين مصر وسورية والأردن والعراق، حيث نتج عن تلك المشاورات ثلاثة اتجاهات فيما يختص بمشروع إنشاء جامعة الدول العربية الأول يدعو إلى وحدة سورية الكبرى والثاني الذي كان يطالب بقيام دولة موحدة تشكل أقطار الهلال الخصيب، أما الاتجاه الثالث فكان يدعو إلى وحدة أو اتحاد أشمل وأكبر يضم مصر وسورية واليمن بالإضافة إلى أقطار الهلال، وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وانتصار الحلفاء على دول المحور حاولت الدول الغربية المحتلة التخلي عن وعودها بمنح الاستقلال للدول العربية بالرغم من وقوف الأخيرة معها واستنزاف ثرواتها في المجهود الحربي والعسكري، إلا أن الرأي العام العربي كان قد تهيأ لقيام وحدة عربية وبدأ يضغط عن طريق الأحزاب والصحف في هذا الاتجاه، فوجه مصطفى النحاس في 12 تموز 1944 الدعوة إلى الحكومات العربية التي شاركت في المشاورات التمهيدية لإرسال مندوبيها للاشتراك في اللجنة التحضيرية للمؤتمر العربي العام التي ستتولى صياغة الاقتراحات المقدمة لتحقيق الوحدة العربية، واجتمعت تلك اللجنة في الإسكندرية في 25 أيلول 1944 بحضور مندوبين عن سورية ومصر ولبنان والعراق وشرق الأردن والسعودية واليمن وعن عرب فلسطين، وبعد ثماني جلسات متوالية استبعد المجتمعون فكرة الحكومة المركزية ومشروعي سورية الكبرى والهلال الخصيب، وانحصر النقاش في اقتراح نوري السعيد رئيس الوفد العراقي بتكوين مجلس اتحاد لا تنفذ قراراته إلا الدول التي توافق عليه، خوفاً من التأثير على سيادة الدول الأعضاء.‏

وشكلت اجتماعات الاسكندرية الإطار التمهيدي لإعلان قيام إنشاء الجامعة العربية في 22 آذار 1945 بعد أن وقّع على إنشائه ممثلو ست دول عربية هي سورية، شرق الأردن، العراق، لبنان، والسعودية، ومصر، أما اليمن - وهي الدولة العربية السابعة التي شاركت في المحادثات التمهيدية لإنشاء الجامعة - فقد أرسل نص الميثاق إلى حكومتها للتوقيع عليه بصنعاء في 5 أيار 1945، وبتصديق الدول السبع الأعضاء على هذا الميثاق ظهرت جامعة الدول العربية إلى الوجود ابتداء من يوم 11 أيار 1945 لتصبح أول منظمة عربية جامعة تنشأ في تاريخ العرب الحديث والمعاصر.‏

وتقودنا أي قراءة تحليلية سريعة لمسيرة عمل جامعة الدول العربية بعد نحو سبعة عقود على إنشائها إلى أن الجامعة التي كانت مطلب وحلم الجماهير بتحقيق وحدة عربية حقيقية تعزز الدور العربي على مستوى المنطقة والعالم وتعيد للعرب أمجادهم.. فشلت إلى حد كبير بتحقيق أحلام وطموحات الشعوب العربية من الخليج إلى المحيط لتبقى معظم قراراتها حبراً على ورق محكومة بالمصالح والإرادات السلطوية لبعض حكام الدول العربية الذين ابتعدوا عن طريق القومية وارتهنوا للغرب الاستعماري فكانوا أدواته ويده الطولى في المنطقة.‏

ورغم ذلك فقد حققت الجامعة بعض المنجزات التي لم ترق إلى درجة الانجازات ولعل أهمها هو منجز الإبقاء على فكرة الوحدة العربية قائمة في مخيلة كل الأجيال العربية، وكذلك إصدار عدد كبير من وثائق العمل العربي المشترك التي بقيت حبراً على ورق كما أشرنا، أما على المستوى التنظيمي فقد أنشئت مؤسسات دائمة ومتخصصة، مثل المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، والمنظمة العربية للاتصالات الفضائية، وصندوق النقد العربي، ومجلس الوحدة الاقتصادي، وصندوق النقد العربي، واتحاد البريد العربي، ومنظمة المدن العربية، كما لعبت الجامعة دوراً بمساعدة بعض الأقطار العربية على تحقيق استقلالها، كما طرحت فكرة الامن الجماعي العربي، وجسدت في اتفاقية الدفاع العربي المشترك والتعاون الاقتصادي، وزيادة درجة الاعتماد المتبادل بين الأقطار العربية، مثل حركة تدفق العمالة العربية بين الأقطار العربية.‏

وقد تعرضت الجامعة لكثير من الانتقادات الرسمية والشعبية من حيث أدائها وآلياتها، ودرجة الالتزام بما تصدره من قرارات، نتيجة إلى حالة الضعف والتمزق العربي المتصاعدة وكذلك انعدام المصداقية وعدم قدرة الأطراف العربية على الاتفاق على قضايا رئيسية وثانوية.‏

إن المعطيات السابقة كانت من المفروض أن تشكل الدافع الأساسي لبعض العرب للتخلص من تلك الأخطاء والمشكلات والعيوب لحماية الجامعة التي تمثل البيت العربي الذي من المفترض أن يكون الحصن الذي سيحميهم من كل الطموحات الاستعمارية والأخطار المحدقة بهم، إلا أنه ورغم ذلك اختار بعض العرب طريقاً أخرى غير طريق إصلاح البيت العربي وحمايته عبر التحالف خلف الكواليس مع أعداء الأمة وعقد اتفاقيات منفردة أدت إلى الإضرار كثيراً بالعمل العربي المشترك كاتفاقية كامب ديفيد وما تلاها من اتفاقيات ومفاوضات عربية إسرائيلية وتكتلات وأحلاف عربية شكلت فيما بعد أحلافاً ضد العمل العربي بل ساهم بعضها في تغيير الخارطة العربية، كأدوار بعض الدول العربية في تمييع القضية الفلسطينية وضرب المقاومة اللبنانية واحتلال العراق وتقسيم السودان وتدمير ليبيا مؤخراً والتآمر على سورية حالياً.‏

ويؤكد الكثير من الباحثين والمحللين السياسيين أن ثمة ثلاثة اتجاهات رئيسية يتبلور حولها مستقبل جامعة الدول العربية الأول وهو اتجاه ضعيف يذهب أنصاره إلى المناداة بوجوب إلغاء الجامعة وتصفيتها لأنها فشلت في تحقيق أهدافها، ذلك أن بقاءها على وضعها الحالي يعتبر عقبة أساسية في سبيل إقامة مشروعات أخرى للوحدة العربية أو للعمل العربي المشترك تكون أكثر قدرة على مواجهة احتياجات الشعوب العربية وتحقيق آمالها والاستجابة لتطلعاتها المشروعة. كما يستند أنصار هذا الاتجاه الأول - وفيما يبدو -  إلى حقيقة أن ثمة سوابق عديدة في العمل الدولي لجأ خلالها الأطراف المعنيون إلى تصفية منظمات دولية قائمة واستبدلوها بمنظمات دولية جديدة كعصبة الأمم التي ألغيت رسمياً عام 1946 بعد أن حلت محلها منظمة الأمم المتحدة، وهناك أيضاً حالة منظمة الوحدة الإفريقية التي أنشئت عام 1963 لتحل محل العديد من التنظيمات والتكتلات الإفريقية التي كانت موجودة حتى ذلك الحين.‏

أما الاتجاه الثاني فيذهب مؤيدوه إلى القول بوجوب المحافظة على بقاء جامعة الدول العربية، وذلك على الرغم من كل المآخذ التي تؤخذ عليها فيما يتصل بأدائها على مستوى تعزيز العمل العربي الجماعي، والمنطق الذي ينطلق منه هذا الفريق من الباحثين يتمثل في مقولة أساسية مؤداها أن الإبقاء على الجامعة - بوصفها المنظمة العربية الأم التي ينهض عليها النظام الإقليمي العربي كنظام دولي فرعي - إنما هو أفضل بكثير من تصفيتها، وذلك لأنه ربما يكون من غير المؤكد - في ضوء الحالة الراهنة للعلاقات العربية - العربية - أن تتفق الدول العربية على صياغة تنظيمية أخرى أفضل من الصياغة الحالية التي تمثلها هذه الجامعة. وبعبارة أخرى فإن ثمة تخوفا لدى أنصار هذا الاتجاه الثاني من أن يكون البديل عن جامعة الدول العربية - في ظل الأوضاع العربية والدولية الراهنة - هو المزيد من الانقسام والتشرذم العربيين.‏

أما الاتجاه الثالث في هذا الخصوص وهو الأكثر واقعيـة والأقرب إلى المنطق فيدعو إلى وجوب المبادرة فوراً وبجدية إلى العمل من أجل تطوير الجامعة وتدعيم أجهزتها ومؤسساتها، وذلك من خلال تعديل الميثاق على نحو يكفل لهذه المنظمة العربية الأم القدرة المناسبة على تحقيق أغراضها وتخويلها السلطات والصلاحيات اللازمة لذلك.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية