تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


كل خميس..أشـــياء مســـتعجلة

ثقافة
الخميس 24-11-2011
حكيم المرزوقي

تعبت من وجهي يبتسم لي في البيت ثمّ يتنكّر لي أمام مرايا المصاعد وآلات التصوير.

تعبت من صوتي  يباغتني بالهمهمة‏

   أمام امرأة جميلة وبالسكوت أمام  شخص وقح وبالتلعثم أمام منبر ممل.‏

تعبت من كلّ شيء يباغتني؛ زمّور سيّارة، مكان أنا فيه, فكرة  تهشّم رأسي وتطير..‏

تطير ولا أقبض  سوى على  حقيبة تسحبني  من أيّام الدراسة الأولى..‏

الحقيبة  التي لم أضف إلى محتوياتها شيئا يذكر سوى فرشاة أسنان وجواز سفر يغادران معي كلّ مرّة أغادر فيها  بيتاً كنت أسكنه وامرأة كانت تسكنني..‏

كلهم يرحلون حتى الذين زودتهم بأقدام كي يسيروا إلي..‏

ظهري يشدّه الصمغ إلى الجدار الورقي، خرزة في القلب، أنفي يسيل منه حبر ختم وطني. ‏

يمسكني من يهمّه الأمر بين السبابة والإبهام أحاول أن أبتسم إليه من خلف الجلاتين.‏

كلّ هذا أضعه في جيبي الخلفي وأمضي كلّ صباح في الزحام‏

أنا السهم الذي همس للريح وهي تشيّعه إلى صدره الأخير: لم يتسع لي وتر وقوس إلا ليلفظاني.‏

صدأ المسمار حينما عاتبه الخشب.‏

سكت دهراً واحتجب.‏

وحينما اقتلعه الكلاّب ذات خريف قال: أسأل المطرقة يا سيدي، أنا أيضاً كنت أئن..‏

مثل (كان) لم يعد لي إلا بضع أخوات يرفعن أسمي، وهنَّ متباهيات أمام جارة ثرثارة أو زوج غبي.‏

وكالفاتحة؛ لا أقع على شفاههن إلا أمام قبر أمي وأبي.‏

راقصت ساندريلا عسكرياً، عريض الرأس، متلألئ النياشين.‏

وحينما دنت ساعة الصفر التحق  العسكري بقطعته في اليوم التالي.‏

 حملت ساندريلا فردة البوط تبحث عن صاحبها في الأسواق.‏

كل ما سألت أحدهم ذعر وتلمّس رقبته.‏

كنا صغاراً وكانت عصا المؤدب في الكتّاب أطول من ألسنتنا جميعاً.‏

كانت عصاه لا تستهدف إلا رؤوسنا الخضراء الصغيرة.‏

كنا نستخدم الألواح ترساً لصد ضرباته الموجعة.‏

فتتألم الكلمات وتتساقط همزات القطع والوصل وحروف العلة والجر.‏

من يومها نشأت كلماتنا خائفة عرجاء.‏

نحن الذين لاتطرق أبوابنا  إلا الفواتير والدائنون.‏

نحن الذين لا تقبّلنا إلا أمواس الحلاقة في الصباح.‏

نحن الذين تسخر منا مرايا المصاعد وأضواء السيارات.‏

نحن الذين تبرأت منهم ألسنتهم عند الإهانة  وخواصرهم عند الرقص وحكوماتهم عند اللزوم.‏

نحن الذين تبصق الطائرات والسماء والجرائد والعصافير  فوقهم فيضحكون.‏

نحن الذين قلنا للزمن كن فلم يكن.‏

جدي قتله المعمّرون الفرنسيون شرّ قتلة، بسبب إقدامه على حرق محاصيل قمحهم، قبيل الحصاد.‏

وبطريقة قيل إنها شنيعة كان جدّي يصيد أسمن الجرذان (يحمّمه) بالبنزين.‏

ويلقي بالحيوان الصغير كتلة من لهب تركض مذعورة بين السنابل اليانعة.‏

الآن أركض مذعوراً في الشارع الطويل الذي سمّي باسم جدي الشهيد، وقد امتلأ بالجرذان السمان...‏

hakemmarzoky@yahoo.fr

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية