تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أفلام (تظاهرة أدب ويليام شكسبير).. حضورها المتزامن أغناها بأبعاد جديدة..

ثقافة
السبت 26-11-2011
آنا عزيز الخضر

استطاعت أفلام (تظاهرة ويليام شكسبير) في دار الأسد أن تطلعنا على روائع شكسبير وتمكنت من أن تتجول في عوالمه بآلية ممتعة لها خصوصيتها لأسباب عدة, تبدأ

من استحضار أفلام نوعية ومتنوعة تحمل تواقيع أسماء لامعة لمخرجين عالميين لكل منهم أسلوبه الفني الخاص ومدرسته السينمائية وإبداعاته المتألقة في الفن السابع وعلى مستوى العالم، كما حضر في نفس التظاهرة أكثر من عمل سينمائي حول نفس النص المسرحي ليتاح الاطلاع على معالجات مختلفة ورؤية فنية إبداعية متنوعة، مثلاً كان هناك أكثر من عمل حول عرض (ماكبث) وأكثر من عمل سينمائي عن (هاملت), الملك (لير) وهنا اكتسبت التظاهرة أبعاداً فنية وثقافية مهمة, مثلاً أسطورة العقرب الأسود مأخوذة عن عرض ماكبث عبر شكل فني أظهر الصراعات والنزاعات ضمن أجواء من التخبط والفوضى حطمت الكثير من الضوابط والمعايير فهناك عداء وكره ومكائد بين الملكة وولي العهد والملك وغيرها وقد أفسحت هذه الأجواء المجال للكثير من السلبيات, حتى باتت تسيطر على معظم الشخصيات, فحكمت المؤامرات علاقات الجميع ويصل الفيلم في النهاية إلى بلورة فكرة استسهال القتل بدوافع الطمع والسلطة السلطة نفسها التي قام ماكبث من أجلها بكل جرائمه إذ قتل كل من وقف في طريقه لم يستثن أي فرد يشك في احتمال أن يسلبه سلطته هو أو حتى أبناءه أو من يكون في صفه وتتداخل هنا الأفكار، تتعمم بسهولة لأنه بوجود الطمع والجشع والأنانية بالشكل المطلق ودون التفكير بأي شي آخر أو الامتثال لأي معايير إنسانية أو غيرها سيتحول الإنسان بذلك إلى مجرم فماكبث خوفاً على الملك والذي حصل عليه بجريمة بحق ملك عادل يتخوف من أصدقائه فيقتلهم، يتخوف من أبنائهم أيضاً يطاردهم بهدف القتل وهكذا يعيش بقية عمره طريد اجرامه وهواجسه وعذاب ضميره وقد استعبدته تلك الفكرة ومسخت روحه ما أدى إلى فظاعات بشعة لاتحتمل، أيضا تم العرض لفيلم ماكث بنفس الاسم ويتم عصرنة الأحداث فيه بشكل مختلف لكن جميعها تلعن تلك الدوافع التي يستسهل الإنسان فيها قتل الآخرين، وتحت أي عنوان كان المال أو السلطة أو المجد المزيف وغيره فهي سلوكيات تحصل في الواقع لكنها حقيقة قذرة بكل معنى الكلمة بكونها تعامل حياة الإنسان الثمينة بكل هذا الرخص، فهو الأثمن في هذا الوجود هو وحياته وسلوكه وقيمه التي تؤكد إنسانيته الرفيعة وكل مايتعلق به, من هنا اكتسبت هذه التظاهرة أهميتها كونها بكل أعمالها ترتبط بالإنسان وتفاصيل نوازعه وصفاته وحياته أما أفلام التظاهرة المتنوعة, فقد عالجت الفكرة في شروط مختلفة وفي أجواء تقليدية منها كما أجواء عصرية وحالات إنسانية متنوعة وإن اختلفت الأساليب السينمائية، وأهميتها أنها جميعها ترسخ أهمية القيم الإنسانية على تغير الزمان خصوصاً أن تلك التظاهرة توسعت في خياراتها وأزمنة إنتاج أفلامها وآلية معالجاتها لأنه حضرت أيضاً أفلام أخرى عن نفس النصوص مثلا عرش الدم لـ (اكير اكيروساور) مأخوذ أيضا عن ماكبث وقد تعمق في عوالم شكسبير مصوراً تلك اللعنة التي تلاحق من يستسهل قتل الآخرين أيضا كان هناك فيلم بنفس الاسم من الإخراج المبدع السينمائي بولانسكي، فشكلت التظاهرة مشهدية غنية بحق بما تضمنته من أهمية اعلاء صفات الإنسان وحفاظه عليها خصوصاً بحضورها وعرضها مع بعضها البعض متزامنة مما يجعلها في إطار أكثر عمقاً وأكثر أبعاداً حيث تكررت الحالة مع مجموعة أفلام أخرى أيضاً بأكثر من أسلوب وزمان مثل الملك لير مثلا كان هناك عرض من اخراج بيتر بروك وفيلم من اخراج توني دافتيال وفيلم ران أيضا وقد بلور عرضها مع بعضها البعض ضرورة التخليد للقيم الإنسانية الرفيعة ثم التمسك بها مهما كانت المغريات الزائفة، فتلك الأفلام وإن حملت الاختلاف في اتجاهات كثيرة إلا أنها جميعها فضحت فظاعة بعض النوازع الإنسانية كالانتقام والجشع والنفاق مظهرة بالمقابل أهمية القيم الجميلة كالصدق والوفاء وغيرها..‏‏

وتبقى راسخة مهما تغيرت الشروط والأزمان مؤكدة دوماً على بشاعة الضعف الإنساني أو الانصياع للرغبات بعيداً عن الدوافع الإنسانية، فكل تلك الأفكار أخذت أبعاداً أكثر بلورة في لقاء ما عبر التظاهرة وقد عولجت بأيدي مبدعين سينمائيين برؤية فنية مختلفة ومتألقة تلونت بعوالم شكسبير وغناها الإنساني وفازت بخصوصية براقة رغم الاقتباس الواحد عن فكرة أساسية واحدة وقد أفسحت التظاهرة المجال للجمهور السوري الاطلاع عليها ليتسنى له الربط بينها وبين عوالمها وأمكنتها وزمانها ليمكنه اسقاطها ومقاربتها مع الواقع وقد سلطت الأضواء على الأبعاد برؤية متميزة، كي تخلد تلك الأفكار الإنسانية القيمة من جهة والأعمال التي أكدتها من جهة ثانية ورسختها في أذهان المتلقين كي تبقى الأهم دوماً.‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية