|
مجتــمـــــع
كنّا وما زلنا نصف العلاقة الطيبة بيننا وبين الآخرين بأن بيننا خبزاً وملحاً، وإذا ما أساء طرف لهذه العلاقة يقول الطرف الآخر: (يا حيف على الخبز الذي أكلناه سويّة). كنّا وما زال معظمنا (لا نأكل حتى نجوع، وإذا أكلنا لا نشبع)، ونصوم شهر رمضان المبارك لا عن شحّ بالطعام وإنما إيماناً منّا بما جاء به ديننا الحنيف ولنشعر بقيمة النعمة المباركة بغيابها عنّا ساعات النهار. ربما مرّ أجدادنا بأيام صعبة كان الحصول فيها على رغيف الخبز يشكّل رحلة كفاح طويلة وهنا أذكر حديثاً رواه لي العمّ (أبو خليل- 75 عاماً) عندما كان أبوه يعمل في قطنا في تشييد سكة قطار في خمسينيات القرن الماضي عندما ضربت مجاعة شتائية أطنابها في جرد محافظة طرطوس فأوصلوا خبراً لوالد (أبو خليل) يخبرونه فيه أن أولاده يكادون يموتون جوعاً وأنه لا مجال لأحد في قريته على تقديم المساعدة لأن الجوع تفشّى في كلّ البيوت ما اضطر رجل في الخمسين من عمره ان يشتري من قطنا بعض الخبز والتمر ويحملها على ظهره ويقصد طرطوس سيراً على الأقدام ليقدّم الخبز لأولاده الجياع، وأذكر تلك الدموع العزيزة التي زرفها السيد (أبو خليل) معقّباً على الحادثة بالقول: الحمد لله لم يعد الآن أي جوع، لا أحد في بلدنا ينام جائعاً، الخير وفير وللجميع. نعم، عملت سورية منذ بداية سبعينيات القرن العشرين على توطين القسم الأكبر من أبنائها في (الطبقة الوسطى) لاغيةً ما استطاعت الفوارق الكبيرة جداً والتي كانت سائدة بين الطبقة الغنية والأخرى الفقيرة إلى أواخر الستينيات، والآن ونحن في عام 2011 لا أعتقد أن هناك أي مواطن سوري تحت خط الفقر وهذا الأمر غير موجود في أعتى دول العالم اقتصادياً ومالياً ( وحتى لا نُتهم بالمبالغة نترك المجال مفتوحاً أمام بعض الاستثناءات ولكنها قليلة جداً). لسنا في إطار تقييم الواقع المعاشي في هذا المقال، ولكن المقدمة السابقة كان لا بدّ منها للانتقال إلى ما نريد قوله وهو أن بلدنا الحبيب سورية هو الآن بأمسّ الحاجة لكلّ أبنائه وأكثر من أي وقت مضى، فكيف نشارك جميعاً في حماية سورية وفي الدفاع عن اقتصادها وعن مواردها؟ بإمكاننا أن ندافع عن بلدنا بأكثر من سلاح بعيداً عن مواقع العمل الرسمية، بإمكاننا أن ندافع عن بلدنا بـ (رغيف الخبز)، فلا نأخذ منه أكثر من حاجتنا، وكيلو الخبز الذي يكلّف الدولة أكثر من (25) ليرة من الظلم لنا كشعب وللدولة كمؤسسات أن نبيعه لمن يشتري الخبز اليابس بـ (7) ليرات، وبإمكاننا أن ندافع عن بلدنا بإطفاء (لمبة) لا داعي لتشغيلها، وإطفاء التلفاز قبل النوم، وعدم غسيل السيارة بماء الشرب. بإمكاننا أن ندافع عن بلدنا عندما تجتمع الأسرة كلها حول مدفأة واحدة فنقتصد باستهلاك المازوت ونكتفي بتلفاز واحد وبمصباح واحد أما عندما يكون موعد دراسة الأولاد فلن نلتفت لإشعال مصباح جديد لأن دراستهم ستوقد مصابيح الوطن لاحقاً. إن غابت عن تفكير ابنائنا روح المسؤولية بحكم صغر عمرهم وعدم اكتمال نضجهم فإن مسؤوليتنا إضافة لتوعيتهم تفرض علينا تصحيح بعض سلوكهم فلا مشكلة إن نسي الابن المصباح شغالاً فبإمكاننا أن نطفئه. |
|