|
الافتتــاحية لم تنتهِ، لأن الحسبة البسيطة تقول إن اللعب بات في هذه اللحظة على المكشوف.. لم تعد هناك أوراق مستورة أو مستترة.. والبوابات المواربة فتحت على مصراعيها وما كان مرمزاً أميط اللثام عنه، وباتت الأشياء بمسمياتها.. التدويل محاولة لم تخفِ على الاطلاق وجهها.. ولم تكن خارج الحسابات أبداً.. والأصابع التي حركتها وعملت عليها لم تكن غائبة، بل أطلت برأسها أكثر من مرة، وجربت أكثر من مرة.. وإن كانت تتلون أو تتلطى حسب الظرف والمعطى.. من حماية المدنيين الى المنطقة العازلة وصولاً إلى ممرات إنسانية آمنة.. كلها تعابير ومصطلحات بوجوه متعددة لهدف واحد.. هو التدخل المباشر حتى لو اقتضى في بعض مظاهره حرباً بالوكالة.. أو عدواناً بـ «العهدة».. كلها متداولة ومعروفة وموضوعة في الحسبان.. إذاً أين هو الجديد.. وما المفاجئ الذي لم يكن متوقعاً؟! من العبث الاعتقاد أن المواجهة انطلقت الآن.. أو بدأت للتو.. ومن العبث أيضاً التوهم أن الصراع انطلق الآن في زمن العد التنازلي للمهل العربية ولمهازل الخطاب العربي الذي يسوقها.. منذ البداية.. وفي أول تعليق على ما يجري قلنا.. ومن هنا: إن المستهدف هو سورية.. هو عيش السوريين وهو الدور الوطني والقومي لسورية.. كنا ندرك أن لهم معه قائمة حساب طويلة.. وكنا نعلم أيضاً أن لائحة مدونة قد خطتها اجتماعات الغرف المغلقة للانتقام من هذا الدور..! لكن في الوقت ذاته.. كما كان شوكة في حلق المتآمرين بالأمس القريب.. يبدو أنه اليوم يؤلمهم أكثر يوجعهم، فيتقاطرون فرادى وجماعات على استهدافه.. على النيل منه.. على الخلاص من الحرج الذي سببه لهم في الماضي والحاضر.. وفي المستقبل.. لم ينفع تآمرهم عليه في الخفاء.. ولا تذمرهم الموارب منه.. فكان قرارهم الخروج إلى العلن وبهذه الصفاقة غير المسبوقة.. لكن للتذكير فقط.. ما فشلوا فيه في الخفاء.. لن يحققوه في العلن.. وما عجزوا عنه في كواليسهم وغرفهم المغلقة لن ينالوه بالتحريض والتجييش والاستقواء بأدوات العدوان.. الأمر محسوم بالنسبة لنا.. والسوريون الذين امتهنوا الصعاب والمواجهة أعلنوا جاهزيتهم لكل الاحتمالات لم يخرجوا من حساباتهم الأسوأ لم يستبعدوا ما هو آتِ.. يعرفون تفاصيله.. يدركون خلفياته ولديهم ما يكفي من خيارات لمواجهته.. ذهبت الجامعة العربية إلى حيث أراد لها المتربصون بالعمل العربي، وانزلقت إلى الدرك الأخير، وهي تتعثر بمفرزات الأصابع الملوثة التي دفعت بها إلى الهاوية. نجح الطارئون في جرها.. وأتقنت عباءات النفط طوق الإحكام عليها من كل الجهات.. وماذا بعد؟! طوال ستة وستين عاماً، والجامعة تحاول أن تكون إطاراً يخفي خلفه النزاعات والتجاذبات وترمي بهمومها ومتاعبها على سكة النظام العربي الرسمي.. تحملت خلالها عبء المناكفات التي لم تهدأ، وجاء الطارئون إليها ليرسموا خطاً مختلفاً ينهي المسيرة لتكون حبيسة الأدراج التي أطلقتها.. كان من العبث الحديث عن التمنيات.. ومن العبث أيضاً الرهان على آمال كاذبة خلفت وراءها تلالاً من الشك وفسرت أحياناً على أنها تراجع أو مهادنة استغلها البعض ليزيد من الانجراف في الخطوات المشينة.. لأن ما يبيت لم يكن يحتاج إلى دليل ولا إلى ذريعة أو حجة.. سواء وقّعنا أم لم نوقع..!! الآن وغداً وكل يوم.. السوريون هم ذاتهم وإن تبدلت القرائن والأدلة والشواهد.. في ساحاتهم وفي مواقعهم وفي دورهم.. وفي مجالسهم.. لا مهادنة.. وبالفم الملآن.. لا مساس بسيادتهم..، ولا بقرارهم.. ما يريحهم اليوم أن ما كان في الكواليس بات علناً.. وما كان بالوكالة أصبح مباشراً.. وما دفع به بـ «العهدة» أضحى وجهاً لوجه.. وما يزيد من ثقتهم.. أنهم كانوا دائماً أنموذجاً. وسيبقون كذلك.. كانوا نقطة فاصلة في التاريخ.. وهم اليوم كذلك يرسمون خارطة جديدة للمشهد الدولي بدأت ملامحها تتبلور بوضوح.. ما قبلها لا يشبه ما بعدها..!! |
|