|
National Interest حيث تحتفظ الولايات المتحدة بما يقارب خمسين ألف جندي في المنطقة، وخلافا لتعهدات ترامب بإعادة القوات إلى البلاد فإن هذا العدد قد أخذ يتزايد باطراد، حيث أضاف المزيد من القوات الأميركية إلى القوات المنتشرة في كل من السعودية والعراق والكويت. بعد مضي ما ينوف عن عشرين عاما من العمليات العسكرية المتتالية التي منيت بالفشل الذريع في المنطقة بات واضحاً في الوقت الراهن أنه في حال كانت الولايات المتحدة ترغب بإحلال الاستقرار في الشرق الوسط، فإنه يجب عليها سحب قواتها، لأن المزاعم الأميركية لإرساء «الاستقرار» جعل الوضع أكثر سوءا، وخلافا لأقوال تطلقها مؤسسة السياسة الخارجية، فإن ذلك لا يعود للوجود العسكري الأميركي المحدود، بل للوجود المكثف فيها. تعد القدرة العسكرية القوية واستخدام أميركا لها إحدى المشكلات الكبرى، إذ نشرت الولايات المتحدة قواتها في 10 دول شرق أوسطية، واستخدامها لهذه القوات أمر يصعب مقاومته نظرا لما لديها من شبكة عسكرية هائلة في تلك المنطقة، وعند ظهور أي أزمة، على غرار ما جرى في ليبيا أو سورية، أو عندما تصل الخلافات السياسية إلى طريق مسدود كما في العراق، فالولايات المتحدة تعمد إلى التخلي عن الحلول الدبلوماسية وتلجأ إلى القوة العسكرية. وبذلك فإن وجود قواتها ولد لديها العجرفة والتعالي، والمؤسف بالنسبة لشعوب هذه المنطقة، أن النوايا والنتائج السياسية غالباً ما تكون متباينة، وإن كان ثمة عبرة يمكن استخلاصها بعد ثلاثة عقود من التدخل الأميركي، فهي أن سياستها حيال التدخل بأراضي الغير لا يمكن إلا أن يسبب تداعيات باهظة الثمن. على سبيل المثال، حالياً ثمة توثيق يقول إن الحربين العراقيتين مهّدتا الظروف لنهوض داعش، إذ شكلت مناطق حظر الطيران بعد حرب الخليج ملاذا لمؤسسها أبو مصعب الزرقاوي الذي فرّ من الحرب الأفغانية ليشكل هذا التنظيم، وبذلك فإن الحرب العراقية وتغيير النظام الذي تبعها منح داعش أرض المعركة لتحارب عليها، مطلقة صيحة الاستنفار التي مكنتها من تجنيد الشباب من مختلف أنحاء العالم، وفي ذروة سطوتها ادعت بسيطرتها على مساحة مئة ألف كيلومتر مربع من الأراضي وامتلاكها ما يتراوح بين عشرين ألفاً إلى ثلاثين ألف مقاتل، مشكلة تحديا للحكومات في كل من سورية والعراق والفلبين ونيجيريا. وهل يعني ما ذكر آنفاً أن أميركا هي من خلق داعش؟ في الحقيقة لا يمكننا أن نبرئ التدخلات الأميركية من تهيئة الظروف التي قادت لإنشاء هذا التنظيم، إذ لولا تلك التدخلات لبقيت داعش في ضمير الغيب. ولا يقتصر أمر زعزعة استقرار الشرق الأوسط على التدخل العسكري الأميركي فحسب، بل إن تصرفات الحكومات التي تحظى بالحماية الأميركية قوضت أيضاً المنطقة وجعلتها تعيش في حالة «حرب باردة» جراء الخلافات الإيرانية السعودية، إذ تساند الولايات المتحدة المملكة السعودية مهما كانت الأحوال والظروف، الأمر الذي شجعها وأتاح لها اتخاذ مواقف عدائية ضد دول مثل اليمن وقطر ولبنان، وكان أكثر العداءات مأساوية هو عداؤها لليمن حيث أفضى إلى نتائج وصفتها الأمم المتحدة بأنها أسوأ كارثة إنسانية شهدها العالم، ورغم وصول هذه الحرب إلى طريق مسدود، نجد النظام السعودي لا يتورع عن قصف المستشفيات والأعراس والبنى التحتية المائية والأراضي الزراعية في محاولة منه ترجيح كفة الميزان لصالحه، ولابد من القول إن هذا التصرف المتهور ما كان ليحدث لولا المساعدة السرية المقدمة من القوات الأميركية المتمركزة في السعودية، الأمر الذي زاد من التعنت السعودي جراء ما يتمتع به من حماية تقدمها القوة العظمى الوحيدة في العالم، لذلك فإن قيام أميركا بزيادة عدد الطواقم العسكرية داخل المملكة لن يؤدي إلا إلى تشجيع القيادة السعودية في المستقبل على زيادة تهورها. إزاء الاضطرابات الناجمة عن الوجود الأميركي، قد يتوقع المرء أن الولايات المتحدة ستعمد إلى تقليص أعداد قواتها عوضا عن زيادتها، وذلك لأنه بعد عشرين عاماً من الخطط العسكرية الفاشلة كان على أميركا الانسحاب من المنطقة، لكن واشنطن قد أحجمت عن المغادرة رغم أن إدارتين أعلنتا في برنامجهما أن سياستهما الخارجية تقوم على الانسحاب، لكن الواقع أكد خلاف ذلك، وبدلاً من إرساء الاستقرار في المنطقة الذي يتيح لأميركا التركيز على أولوياتها فقد قاد تدخلها إلى نتائج عكسية، لذلك يتعين على الولايات المتحدة سحب قواتها وطرح حلول أخرى. |
|