|
دراسات في الحروب والأزمات يبرز التحدي الأكبر لوعي الإنسان، خاصة ذلك الوعي الذي يصب في خانة الوعي الوطني الجامع الذي يجب أن يرتقي إلى مستوى مصلحة الوطن ويعليها فوق المصلحة الشخصية التي يجب أن تذوب بالمطلق في خدمة المصلحة العامة، حيث لا بد من إحياء المجتمع على حساب المصالح الفردية، وهذا بحد ذاته منتهى وذروة القيم الإنسانية والأخلاقية والوطنية. _____________________________________________ في قراءة الظرف التاريخي الذي يلف الوطن بشكل خاص والمنطقة والعالم على وجه العموم، لا بد لنا من إضاءة واسعة ومن كل الزوايا على القيمة والحاجة الضرورية للوعي الوطني الشامل في هذه اللحظة الاستراتيجية المهمة، ولا بد لنا أيضاً أن نضع أيدينا على مكامن الاعتلال، كما نضعها على مصادر القوة والصلابة وهذا كله من باب المسؤولية والأمانة التاريخية والوطنية والأخلاقية وفاءً لصمود شعبنا العظيم وانتصارات جيشنا البطل ودماء شهدائنا الأبرار. البعض القليل جداً ودون أن ينتبه لا يزال خارج سياق الحالة الوطنية الصحية التي شكلت في السنوات الأخيرة قاعدة صلبة لحماية وصون الوطن، وهذا يعزى بطبيعة الحال إلى أن تلك الفئة القليلة لا تزال تعيش أسيرة خلف قضبان مصلحتها الشخصية التي تدفع بها دون قصد إلى إفراغ الحالة الوطنية من مضامينها الزاخرة لغايات وأهداف ذاتية. كل ما حصل خلال الأيام القليلة الماضية كان كفيلاً بإيصال رسائل هامة وحاسمة إلى أعداء شعبنا ووطننا بأن الدولة السورية بمنظومتها المؤسساتية وحاضنتها الوطنية، كما هي قادرة على حماية وصون الشعب والوطن من الإرهاب والغزاة الذين لا تزال تواجههم في ميادين القتال، هي قادرة أيضاً على حماية الشعب والوطن من كل الكوارث والمحن والجائحات، ورهانها الوحيد في ذلك الوحدة الوطنية والوعي الوطني والمسؤولية الأخلاقية التي يجب أن نتحلى بها جميعاً. مسارعة البعض إلى تصديق الشائعات التي يسمعها من هنا وهناك، ولا سيما من الفضائيات والمحطات الخارجية المشبوهة والصهيونية التي كانت ولا تزال منصة تحريض، وسلاحاً لاستهداف صمودنا وانتصاراتنا ومعنوياتنا، هو طعن من الداخل للحالة الوطنية حتى لو كان ذلك بغير عمد، بل إن الهرولة نحو بث تلك الشائعات إلى الآخرين بذريعة حسن النية هو إسناد لأعداء الوطن لضرب الوعي الوطني. ضمن هذا السياق فإن المطلوب منا جميعاً وضمن بوتقة العمل الوطني المشترك إدارة الظهر وصم الآذان عن كل ما من شأنه خلخلة الروح الوطنية، ليس هذا فحسب، بل المسارعة إلى تكذيب كل المعلومات القادمة من تلك المصادر الموبوءة بالخيانة والعمالة، وهذا يكون بالدرجة الأولى من خلال الاستماع العقلي الكامل لكل ما يصدر عن مؤسساتنا الوطنية الإعلامية والرسمية، ومن ثم تنفيذ التوجيهات والتعليمات الصادرة، ومواصلة الحياة بشكل طبيعي جداً بعيداً عن مظاهر الهلع والخوف التي تدفع الناس إلى التخبط أكثر، ومن ثم إلى الفوضى والبلبلة التي تدفعهم إلى الانكفاء نحو الإحباط في وقت نحن في أمس الحاجة فيه إلى تعزيز كل مظاهر التفاؤل ورفع المعنويات، لاسيما ونحن نخوض معركتنا الأخيرة مع الإرهاب والدول الداعمة والحاضنة له. إن قيام البعض بالتشكيك أو التشهير بمنظومة العمل الوطنية، حتى لو كان ذلك عن جهل أو تجاهل من دون قصد، أو من باب الدعابة والاستعراض وتجميع أكبر عدد من الإعجابات والتعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي، هو جزء لا يتجزأ من محاولات استهداف الحالة الوطنية المتماسكة جداً وهو يندرج بكافة الأحوال تحت عنوان الاستهتار وعدم التحلي بالمسؤولية الوطنية والأمانة الأخلاقية. ما حدث خلال اليومين الماضيين من تسابق وازدحام على المحلات لتخزين وتكديس المواد الغذائية والتموينية هو أحد نتائج ذلك العبث والتشكيك بالقرار الوطني، وهو بالتالي أحد جوانب ومكامن اعتلال الوعي الوطني الذي يجب الانتباه جيداً إلى معالجته وتداركه عبر تعزيز الثقة بمؤسسات الوطن ومصادره الرسمية التي أثبتت مصداقية عالية خلال سنوات الحرب الماضية على عكس الكثير من الأبواق الخارجية المتصهينة التي كانت تزيف وتشوه الحقائق. الحرب على الشعب السوري لم تنته بعد، بل لا تزال رحاها تدور بشراسة مفرطة كجزء من المحاولات المحمومة المتواصلة لأعداء الوطن لطحن وسحق كل حوامل الصمود والعزيمة والنهوض، وهذا ما يوجب علينا جميعاً مواصلة طريق التلاحم والتماسك وسد كل الثغرات التي يمكن لأعداء وطننا التسلل من خلالها لضرب الحالة الوطنية التي تجلت للعالم صموداً أسطورياً خلال السنوات التسعة الماضية. إن الوعي الوطني لن يتجسد بشكل فاعل إلا إذا انتقل من حالة الثقافة والمعرفة العامة إلى حالة الثقافة والمعرفة المسؤولة والأمينة والجادة التي يجب أن تأخذ بالحسبان كل الحوامل الوجودية للوطن بدءاً من الإنسان والمكان، وليس انتهاء بالهوية والتاريخ والمستقبل في انسجام يعكس صدقية وحقيقة الولاء والانتماء والتضحية. كل محاولات أعداء الشعب السوري لضرب تلاحمه ووحدته الوطنية والأهم لضرب وعيه الوطني، باءت وستبوء بالفشل، وهذا الأمر بقدر ما أصاب تلك الأطراف بالإحباط واليأس وبكثير من الهستيريا والتخبط، بقدر ما جعلهم أشرس وأكثر تشبثاً في البحث عن كل ما من شأنه ضرب الحالة الوطنية واستهدافها بكل الوسائل والأسلحة المتاحة، ومنها سلاح التعاطي السلبي مع كل ما يصدر من مؤسسات الدولة. حقيقة هامة يجب أن ندركها جميعاً في هذا الظرف التاريخي المهم وهي أن وعينا الوطني هو جزء لا يتجزأ من أمننا الوطني، الذي يجب أن يكون -أي وعينا الوطني- على قدر عال من الكفاءة والنضج والمسؤولية، بما يمكننا من التصدي للحرب الشرسة التي نتعرض لها ، فالمطلوب اليوم تحصين وصون وحماية جبهتنا الداخلية التي يشكل وعينا الوطني درعها المتين، وهذا يكون ببث وتعزيز روح التفاؤل والأمل، والتخفيف من كل مظاهر الهلع والخوف. |
|