|
ثقافة وضعت رأسها في الفرن لتموت منتحرةً.. ولتفتح بوابة التساؤلات واسعةً على ماهية فعل الانتحار حين يُقدم عليه المبدع. هل الانتحار هزيمة للذات أم طريقة مغايرة للعيش.. للخلاص بالموت..؟ وكأنه يأتي حدثاً أخيراً في سلسلة أحداث الحياة المؤلمة المحبطة على أكثر من صعيد.. وكما لوأن المبدع يرى فيه ملاذاً.. ملجأً.. يُكمل به ما خطّه عن الموت المتخيّل. وبلاث كانت تطرّقت في أشعارها لذكر موضوعة الموت مراراً وتكراراً.. إذاً.. هل في إقدامها على فعل الانتحار استكمالٌ لمشهدٍ أخير تتمّم به مابدأته شعراً، ونهايةٌ لمشروعها الإبداعي غير المنجز.. ؟ اتّحدت بالموت شعراً.. وأحاط بها بعدّة هيئات، أولاها كانت بموت والدها وهي لم تزل في عمر الثامنة، وبدورها رأت بخيانة زوجها تيد هيوز لها مع آسيا ويفيل موتاً جزئياً أومؤجلاً. في يومياتها.. تسرد الشاعرة تفاصيل احتجازها بمصح نفسي وتذكر محاولة الانتحار التي أقدمت عليها وهي في العشرين من العمر قبل تعرّفها بهيوز الذي التقت به أثناء دراستهما معاً بجامعة كامبردج. تقول في إحدى يومياتها: (العيش مع تيد شبيه بالاستماع إلى حكاية سرمدية. إن عقله لامع وخياله عظيم). لكنها تصف بيومية أخرى غربتها عنه: (نحن الاثنان غريبان لا يكلم أحدهما الآخر). وهوما يؤكّد التقلب النفسي الذي عاشته، وسوداوية مزاجها العام. اللافت.. أن طريقة موت البعض، انتحاره، تغدونقطة ضوء تُسقط على نتاجه، مقدمةَ ابتداء تُحيل إلى ما يخط، العتبة التي لا بد من عبورها نفوذاً إلى إبداعه. الكثير من النقاد والدارسين قرؤوا، والأدق القول، تفحّصوا ديوان زوجها هيوز الأخير (رسائل عيد الميلاد) كالباحثين عن أي دليل يحيلهم إلى سر انتحارها.. وعلاقة هيوز به. اليوم.. تعود ذكرى هذا الثنائي ذي العلاقة المليئة بعلامات الاستفهام، من خلال خبرين عن كل منهما. الأول يُظهر وجهاً مغايراً للشاعرة بلاث لم تُعرف به، هووجه الفنانة التشكيلية. حيث افتتح في غاليري مايور في لندن معرض يخص سليفيا في الثاني من الشهر الجاري، وكانت قدمت ابنة الشاعرين فريدا هيوز لهذا المعرض من خلال مقالة كتبتها في صحيفة الغارديان البريطانية، تذكر فيها أن معظم هذه اللوحات كانت أنجزتها والدتها أثناء شهر العسل الذي قضاه الشاعران في باريس سنة 1956 م. الخبر الثاني يرد عن هيوز نفسه، وفيه شيء من ردّ الاعتبار لهذا الشاعر الذي هوجم طويلاً واعتبر مسبباً بانتحار زوجته، إذ سيتم تكريمه في السادس من الشهر القادم في لندن أيضاً، في (زاوية الشعراء) قرب الحجر التذكاري للشاعر ت. س. إليوت. الأمر الذي زاد من حدّة الهجوم ضد هيوز كان انتحار زوجته الثانية مع ابنتها وبنفس طريقة التي اختارتها بلاث. صمت هيوز كثيراً دون ذكره لتفاصيل لقائه الأخيرة مع بلاث التي يوردها في قصيدته (الرسالة الأخيرة) كتبها وبقي يراجعها، يعدّل وينقح فيها قرابة الثلاثين عاماً وتُعبر من أكثر قصائد القرن العشرين رومانسيةً. وكان لمجموعته (رسائل عيد الميلاد) دور لافت بتغيير موقف جمهور القرّاء والنقاد منه، لأنها أظهرت وكرّست صورة الرجل المحب الوفي لزوجته بدلاً من صورة الرجل الكاره المتسبب بموتها. |
|