|
تقارير وتداعياتها المحتملة علينا كبلد نام وعلى ضوء هذا التشخيص لا بد من الاستعداد التام والقيام بخطوات وإجراءات لمواجهة تحديات وتداعيات هذه الأزمة وما بعدها بما في ذلك ظواهر التضخم المتوقع. السؤال الذي يفرض نفسه : ماذا فعلنا في هذا المجال ؟ وماذا علينا أن نفعله لتخفيف الآثار السيئة المحتملة من هذه الأزمة؟
د. قحطان السيوفي وزير المالية الأسبق ومدير التأمينات السابق حاول الإجابة على هذين السؤالين وغيرهما من الأسئلة المتعلقة بهذا الموضوع المهم في محاضرة ألقاها في طرطوس. ·المشهد تحت السيطرة ·بداية يؤكد د. السيوفي أن تأثير الأزمة الاقتصادية العالمية في سورية كان محدوداً واقتصر على بعض قطاعات الإنتاج الحقيقي والصناعة والصادرات والاستثمار الأجنبي المباشر بالإضافة إلى تحويلات المغتربين فسورية بلد نام يمتلك مقومات اقتصاد متنوع وينتقل من مرحلة التخطيط المركزي الموجه إلى اقتصاد السوق الاجتماعي ويبدو المشهد الاقتصادي الكلي رغم الصعوبات والتحديات الخارجية منها والداخلية بما في ذلك العقوبات الاقتصادية الغربية الظالمة والظروف المناخية تحت السيطرة .. ولكن لا بد من الاستعداد لمواجهة تحديات وتداعيات الأزمة وما بعدها أي آثار التعافي الاقتصادي العالمي من هذه الأزمة شأننا شأن دول العالم الأخرى وخاصة النامية منها بما في ذلك ظواهر التضخم المتوقع.. ما يرتب على الحكومة في بلدنا المزيد من المسؤوليات للتدخل الإيجابي والفعال.. ويضيف : لدينا في سورية احتياطات نقدية جيدة.. والمصارف العامة والخاصة لديها سيولة مالية كبيرة في المصارف العامة والخاصة تقارب /1200/ مليار ل.س وهذه السيولة يجب أن تدار وفق معايير وضوابط رقابية محددة وجادة وآليات تنفيذ تتناسب مع الظروف والتحديات ومتطلبات التنمية المستدامة في وطننا.. مع مراعاة الظروف الاقتصادية العالمية.. وميزان النفط الخارجي مقبول رغم وجود عجز بسبب تصدير النفط الخام واستيراد المشتقات النفطية بأسعار أعلى والقطاع العام في وضع إنتاجي ومالي صعب وقد تراجعت كثيراً فوائضه المالية التي كانت تورد للموازنة العامة للدولة.. وتبقى الإيرادات الضريبية حالياً أهم موارد الموازنة العامة للدولة.. وبالتالي لدينا أدوات يمكن ويتوجب توظيفها لتطوير وتعزيز مسيرة الإصلاح والتحديث الاقتصادي ومواجهة احتمالات الآثار السلبية لمرحلة ما بعد الخروج من الأزمة العالمية.. ما يستدعي اتخاذ الإجراءات الحكومية اللازمة لتوظيف هذه الأدوات بطريقة وآليات واقعية وفعالة وفي الوقت المناسب. التدخلات المطلوبة من الدولة ·أما عن أهم الإجراءات التدخلية المطلوبة من الحكومة لمواجهة الظروف الاقتصادية الدولية والمحلية وتخفيف الآثار المحتملة بعد الأزمة الاقتصادية العالمية والسير باتجاه اقتصاد السوق الاجتماعي الذي اعتمد في المؤتمر القطري العاشر للحزب فيقول الدكتور السيوفي : ·من أهم هذه الإجراءات دعم وتعميق الأمن الغذائي وهو موضوع استراتيجي كون الزراعة هي الأولوية والعنصر الأساسي للأمن الغذائي..
بما في ذلك تأمين ودعم متطلبات القطاع الزراعي والحيواني والتصنيع الزراعي.. وهذه السياسة معتمدة في سورية منذ عقود ومن الضروري في ضوء الظروف الاقتصادية العالمية والمحلية المزيد من التدخل الإيجابي للدولة وإيلاء هذا القطاع الاقتصادي المنتج والهام كل ما يستحقه من اهتمام ودعم. وتعميق دور الدولة في النشاط الاقتصادي من خلال سياسات التحفيز المالي الحكومية لإنعاش الاقتصاد الوطني وحسن استخدام أدوات السياسة المالية ( الضرائب القروض الإنفاق العام .... ) لتأمين الموارد العامة اللازمة للإنفاق العام المتزايد .. وخاصة الإنتاجي .. ويتطلب ذلك تحسين وتطوير إيرادات الموازنة العامة للدولة. واستخدام وضبط أدوات السياسة النقدية ( سعر الفائدة سعر الصرف استقرار الأسعار ... ) من خلال تفعيل دور المصرف المركزي لتحقيق الانضباط النقدي ونرى أنه وفي ظل المتغيرات الاقتصادية العالمية من الضروري تفعيل أدوات السياسة النقدية وخاصة أسعار الفائدة واستقرار الأسعار.. والتنسيق بين السياسة المالية والسياسة النقدية وفي إطار الاقتصاد الكلي وهذا بالطبع جزء هام من مسؤوليات الحكومة حصراً لمواجهة ما قد ينجم من تداعيات بعد خروج الاقتصاد العالمي من الأزمة .. ونرى في هذا المجال أنه من المفيد إحداث لجنة عليا للشؤون المالية والنقدية يترأسها رئيس مجلس الوزراء نظراً لأهمية وحساسية هذا الموضوع . والتدخل الإيجابي الفعال للدولة لتشجيع الاستثمار في القطاع الخاص وخاصة الاستثمار في قطاعات الاقتصاد الحقيقي الإنتاجي.. وإزالة المعوقات والصعوبات التي تواجه هذا القطاع ليساهم بفاعلية في العملية التنموية .. بإيجاد فرص عمل .. وخلق قيماً مضافة في الاقتصاد الوطني وليحقق أرباحاً ويدفع الضرائب التي تستحق عليه للخزينة العامة للدولة ما يساهم في زيادة إيرادات الموازنة العامة للدولة. وتشجيع ودعم الصادرات السورية أسوة بالعديد من دول العالم التي تعتمد سياسات النمو القائم على الصادرات حتى في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية.. مع الإشارة إلى أهمية معالجة عجز الميزان التجاري السوري الذي سجل تراجعاً في الأعوام الأخيرة. اضافة إلى تعزيز دور الدولة في دعم ورعاية شبكات الأمان الاجتماعي خاصة في مجال الصحة والتعليم والضمان الصحي بفروعه المتعددة .. ويتطلب ذلك المزيد من الإنفاق العام في هذه القطاعات .. ويشكل البدء بتطبيق التأمين الصحي للعالمين في القطاع العام الإداري خطوة هامة ويرتب ذلك على الخزينة العامة مبالغ كبيرة مع الإشارة إلى أهمية المتابعة الجادة والحازمة لآليات تنفيذ التأمين الصحي. مكافحة التهرب الضريبي ·ويضيف السيوفي : إن تدخل الحكومة من خلال سياسات التحفيز المالي يتطلب زيادة إيرادات الموازنة العامة للدولة لمواجهة الالتزامات المتزايدة للدولة في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية وفي مرحلة ما بعد الأزمة وذلك عن طريق مكافحة التهرب الضريبي وتحسين أداء الإدارة الضريبية والتركيز على الضرائب المباشرة على الدخل.. وعن طريق الاستفادة من كون نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في سورية جيدة ولا تتجاوز /25%/ وهي أقل بكثير من النسبة العالمية المقبولة /60%/ وبالتالي أمام الحكومة هامش واسع للاقتراض الداخلي ( عند الضرورة ) عن طريق إصدار سندات الخزينة المركزية على أن توجه حصيلتها حصراً لتمويل مشاريع استثمارية إنتاجية. إن الحكومة مدعوة لرسم إطار عام للأسواق وحدودها في إطار المصلحة الاقتصادية الوطنية من غير أن يؤثر ذلك على فاعلية ونشاط هذه الأسواق فتكافئ الناجح وتحاسب المهمل.. وتتدخل الدولة لتحل محل الأسواق لكن لجعلها تعمل تحت مظلة القانون والمعايير الموضوعية وأن تتكفل الحكومة بأن تكون الراعي الأمين للمنافسة العادلة والمساواة والعدالة الاجتماعية وتمارس دورها التدخلي الإيجابي بثقة أكبر. رجال الأعمال والبرنامج الخيالي ·ويتابع السيوفي: على رجال الأعمال التخلي عن التطلع لمعدلات الربحية غير العادية (الخيالية أحياناً) والتقيد بمعايير وقواعد الانضباط المالي الوطنية وأن يوفقوا بين طموحاتهم بتحقيق الأرباح وبين واجباتهم المالية تجاه الخزينة العامة ومسؤولياتهم الاجتماعية والأخلاقية وأن يقتنعوا بأن اقتصاد السوق الحر الخاضع للضوابط والمعايير هو وحده النظام القادر على مواصلة الحياة في الأمد الطويل. إن مستقبل النظام الاقتصادي العالمي يتوقف على التغيير الذي سيطرأ على الأخلاقية السائدة في المجتمعات وعلى إدراك الجميع أن المسؤولية الاجتماعية لا تقل أهمية عن مبدأ السوق الحرة. إن العاصفة المالية والاقتصادية الدولية الحالية ضربت الاقتصاد العالمي الذي أرست أسسه الرأسمالية المعولمة وأدت هذه الأزمة وستؤدي إلى قلب العديد من مفاهيم النظام المالي العالمي بحيث أصبحت الدولة المتدخلة في مؤسسات القطاع الخاص اللاعب الرئيسي لوقف انهيار النظام المالي العالمي. إن أحداً لا ينكر أن الأزمة العالمية أعادت تأكيد دور الدولة التدخلي لإطفاء الحرائق التي أشعلها ويشعلها النظام المالي الرأسمالي الذي اعتمدته ( النيوليبرالية ) وبالتأكيد فإن أهم الدروس المستقاة من هذه الأزمة المالية الدولية الخطيرة هو إعادة دور الدولة التدخلي الإيجابي في إطار المعايير التي ستشكل أعمدة النظام المالي العالمي الذي ستنتجه هذه الأزمة وإن كان من المبكر تحديد هذا الدور بدقة الآن.. الأزمة الاقتصادية العالمية تركت آثارها السلبية على الحياة السياسية والاقتصادية في الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي وهي تحرك الأحداث في هذه الدول في جو من عدم اليقين .. ومحاولة التحرك نحو الخارج بنوع من الهروب إلى الأمام والتدخل في شؤون الدول الأخرى في إطار مخطط غربي يخدم مصالح إسرائيل ويضعف قوى الممانعة العربية .. إن العقوبات الاقتصادية الغربية التي فرضت على سورية لا تعدو كونها من حيث الشكل إجراءات ضغط استعمارية استعراضية لن تتمكن من فرض إملاءات خارجية مشبوهة .. وقد يكون لها تأثيرات سلبية في الاقتصاد السوري على الحكومة والمواطنين ولكنها ستكون أقل مما توقعته العقول الموغلة في المؤامرة .. وستزيد المواطنين شعوراً بخطورة المؤامرة على وطنهم وستعمق التلاحم الشعبي في إطار الوحدة الوطنية. وهذه العقوبات في مجملها تفهم على أنها تصدير للمشكلات والأزمات التي تغرق بها الولايات المتحدة وأوروبا الغربية هروباً إلى الأمام والتوجه لحروب عبثية تحلم من خلالها بعض هذه الدول لاستعادة نفوذ ضائع. إن المشهد العالمي في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية وعلى ضوء العقوبات الاقتصادية الغربية على وطننا سورية يشير وكأننا في سورية في حالة من كسوف الشمس قسمها الغربي قاتم.. والقسم الشرقي مضاء .. القسم القاتم (أو المظلم ) تمثله أميركا ودول أوروبا الغربية وهذه الدول أنهكتها الأزمة الاقتصادية العالمية ( عجز كبير في الميزانيات ودين عام هائل غير مسبوق وبطالة متصاعدة ومعدلات نمو متدنية ... ) .. والقسم المضاء يمثل دول (بريكس) أي البرازيل وروسيا والهند والصين وهي دول ناشئة خرجت من الأزمة الاقتصادية العالمية بمعدلات نمو مرتفعة وهذه الدول صديقة لسورية وتقف إلى جانبنا في المحافل الدولية كما هو معروف .. وأمام سورية فرص إيجابية للتوجه شرقاً نحو الدول الصديقة المضاءة لتعزيز العلاقات الاقتصادية وغيرها في إطار المصالح المشتركة ما يساعد على مواجهة الصعوبات الناجمة عن العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الدول الغربية على سورية. الأزمة قد تطول وعلى الدول النامية وسورية واحدة منها أن تستعد لمواجهة آثار وتداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية المستمرة لفترة غير قصيرة ونعتقد أن لدينا في سورية كل الإمكانات والقدرات لمواجهة تداعيات هذه الأزمة وأيضاً الآثار المترتبة على العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الدول الغربية التي عصفت بها الأزمة الاقتصادية وجعلتها تصدر مشكلاتها هروباً إلى الأمام والخارج للتدخل في شؤون الدول الأخرى.. وكلنا ثقة أن شعبنا سيتجاوز كل هذه التحديات والصعوبات بإمكاناتنا وقدراتنا الذاتية وبالمزيد من التلاحم والوحدة الوطنية. |
|