|
علوم وبيئة
إن السؤال المطروح بإلحاح في الآونة الأخيرة هو، هل ظاهرة الاحتباس الحراري مصدرها الإنسان أم الطبيعة؟ ومامعنى الاحتباس الحراري؟ ابتكر هذا المصطلح العالم الكيماوي السويدي (سفانتي أرينيوس) عام 1896م، عندما قال إن الوقود الحفري المحترق سيزيد من كميات ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوّي وأنه سيؤدي إلى زيادة درجات حرارة الأرض، ولقد استنتج أنه في حالة تضاعف تركزات ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي فإننا سنشهد ارتفاعا بمعدل 4 إلى 5 درجات سلسيوس في درجة حرارة الكرة الأرضية.
اذا ظاهرة الاحتباس الحراري: هي الارتفاع التدريجي في درجة حرارة الطبقة السفلى القريبة من سطح الأرض من الغلاف الجوي المحيط بالأرض. أدركت دول العالم أهمية التعاون فيما بينها من أجل مكافحة التغيّر المناخي وذلك باستخدام وسائل تكنولوجية حديثة تحدّ من انبعاث الغازات الدّفيئة مثل غاز ثاني أوكسيد الكربون co2 وقد عقد في سبيل ذلك عدد من المؤتمرات في التسعينيات من القرن العشرين، وقد دعت هذه المؤتمرات مختلف الدول وخاصة الصناعية إلى خفض انبعاث الغازات الدفيئة، لكن معظم الدول الصناعيّة لم تنفذ ولم تخفض نسبة انبعاث الغازات الدّفيئة، ما أدى إلى استفحال الأمر. لذلك عقد مؤتمر في اليابان في كانون الثاني عام 1997م من أجل الاتفاق على إجراءات إلزاميّة تتقيّد بموجبها مختلف دول العالم بخفض انبعاث الغازات الدفيئة بنسبٍ محدّدة. وما نلاحظه في كل المؤتمرات التي عقدت في التسعينيات هو وجود إجماع دولي ينذر بخطرٍ يهدّد العالم ومصدره الإنسان. لكن في الوقت الحاضر لا نلاحظ هذا الإجماع، أي إن الآراء تنقسم بين مؤيّدٍ لكون الإنسان هو مصدر ارتفاع درجة حرارة الأرض، وبين معارضٍ لهذه الحقيقة ومؤيّد للقول إن الارتفاع في درجة حرارة الأرض ارتفاع طبيعي. وفيما يخص هذه المسألة هناك فريقان من العلماء، فريقٌ يؤكد أن درجة حرارة الأرض في ارتفاع مستمر، وتصل الآن إلى أعلى درجة منذ ألف سنة ما يعني أن الإنسان بشكل أو بآخر هو المسؤول عن ارتفاع درجة الحرارة، أما الفريق الآخر من العلماء فيشككون في كون الإنسان هو المسؤول عن ارتفاع درجة حرارة الأرض، ويؤكدون أن ارتفاع درجة حرارة الأرض طبيعية، ويعطون أدلة يثبتون من خلالها أن درجة حرارة الأرض كانت مرتفعة وهي الآن أقل ارتفاعاً، فيقولون مثلاً أن (الفايكنغ) حينما قطنوا مناطق الشمال منذ ألف عام كانت درجة الحرارة في تلك المناطق مرتفعة
وقد اشتغلوا بتربية المواشي والزراعة، كما أنهم يقولون إن درجة الحرارة في العصور الوسطى كانت مرتفعة وكانت الزراعة ممتازة والحضارات في ازدهار ونمو، بل يذهب هذا الفريق إلى ضرورة عدم إلقاء اللوم على الإنسان في مسألة ارتفاع درجة حرارة الأرض، وإلقاء اللوم كله على الشمس وهي مصدر كل تغيّر مناخي على الأرض. لو فكرنا قليلا في عمر الأرض وهو أربعة مليارات ونصف من السنين وهي للآن تعمل على نفس الوتيرة، ولو فكرنا في المجرّات وكيفية دوامها، لوجدنا أن النظام والقانون يحكم أن الكون بأسره، أما عدم التوازن فمصدره الإنسان لأنه متسائل، قلق، يتوق لكشف لغز هذا الكون الذي وُجد فيه، ويتعطش لمعرفة الجذور، والشوق لمعرفة البداية، يقوده بشكل منطقي للشوق لمعرفة النهاية والمصير، هذا كله يجعل الإنسان متخبّطاً يريد السيطرة على طبيعةٍ عصيّةٍ على الفهم بالنسبة له، وبالتالي السيادة عليها وتطويعها لإرادته العمياء أحياناً. أيّاً يكن ما توصّل إليه العلماء بشأن ظاهرة الاحتباس الحراري، وحتى لو كان مصدر ارتفاع درجة حرارة الأرض هو الطبيعة ولم يكن للإنسان علاقة بهذه الظاهرة، حتى لو كان الأمر كذلك، فإن على الإنسان كونه كائناً أخلاقياً وهو الوحيد الذي يتصف بالوعي والإرادة والحريّة في هذا العالم، ألا يتخلى عن نفسه كإنسان وعن واجبه تجاه عالم يعيش فيه، فـ (أنت بالضرورة إنسان) على حد تعبير (مونتيسكيو) كما وأنه من الضروري ألا يضع الإنسان المبرّرات لنفسه من أجل الاستمرار في تخريبه للأرض، وجَرْيه وراء طمعه وجشعه، بتنا الآن بحاجةٍ ماسّةٍ إلى علمٍ بعيدٍ تماماً عن التسييس والأدلجة، كما أننا بحاجة إلى مفاهيم تكرّس التعاون وثقافة حب الطبيعة، بدل التنافس والسيطرة عليها، فلنفكر شموليّاً ونعمل محليّاً. |
|