تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


مدرستان ودبلوماسيتان

إضاءات
الاثنين 25-9-2017
د.خلف علي المفتاح

من تابع خطاب الرئيس الأميركي في الأمم المتحدة ولغة التهديد والوعيد التي اتبعها تجاه الجمهورية الإسلامية الإيرانية وجمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية يدرك حالة الهستيريا التي يعيشها الرئيس الأميركي والتي

يبدو انه لن يكون لها أي صدى عملي على صعيد الواقع حيث تستمر كوريا الديمقراطية بتطوير أسلحتها التي توفر لها امنها القومي في ظل التهديدات الأميركية، وكذلك هو حال الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تبدو ماضية في إنتاج الأسلحة المتطورة التي توفر لها الأمن القومي في ظل التهديدات الأميركية والإسرائيلية المستمرة بمواجهتها .‏

إن اعتقاد الإدارة الأميركية أن لغة التهديد والوعيد والعقوبات الاقتصادية هي الأسلوب الناجع لتدجين الدول الخارجة عن بيت الطاعة الأميركي هو اعتقاد وسياسة خاطئة ثبت عدم جدواها والأمثلة كثيرة في هذا الاطار، فالحصار الأميركي على كوبا منذ ستين عاماً لم يضعف كوبا أو يجعلها تخضع للإدارات الأميركية المتعاقبة، بل جعلها اكثر قوة باعتمادها على ذاتها وكذلك العقوبات الاقتصادية على ايران وسورية قبلها، ليبيا وفنزويلا وغيرها من دول العالم التي اتبعت سياسات نابعة من مصلحتها الوطنية .‏

لقد شكل الاتفاق الموقع بين ايران ومجموعة خمسة زائد واحد أسلوباً جديداً في حل الأزمات بين الدول عبر لغة الحوار واحترام مصالح جميع الأطراف، ونظر إليه من أغلب دول العالم على انه يشكل فتحاً ًجديداً في معالجة المشاكل وحل الأزمات بعيداً عن لغة التهديد والوعيد وفرص العقوبات الاقتصادية وغيرها من أساليب جرت عليها الإدارات الأميركية المتعاقبة، وتعزز ذلك التوجه بعد إعادة العلاقات الأميركية الكوبية عبر الحوار وأنهت قطيعة وعقوبات فرضت منذ ستينيات القرن الماضي، ما شكل الانطباع بأن الولايات المتحدة الأميركية بدأت تدرك عدم جدوى هكذا سياسات وتغادرها إلى أسلوب جديد يتسم بالواقعية والعقلانية واحترام مصالح الدول صغيرها وكبيرها وإحلال مبدأ الحوار بدل لغة القوة وفي ذلك احترام لميثاق الأمم المتحدة الذي ينص ويؤكد على حل المشاكل والأزمات الناشئة بين الدول بالطرق الدبلوماسية بعيداً عن لغة القوة أو التهديد باستخدامها .‏

لقد قوبل خطاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب وتهديداته لكوريا وايران بانتقادات شديدة في اغلب دول العالم ومن الكثير من قادته بمن فيهم حلفاء أميركا في أوروبا وحتى في الداخل الأميركي لأنها بدت لغة بعيدة عن الواقع واستفزازية وغير مجدية تعيد إلى الأذهان فترة القطبية الأحادية حين استأثرت أميركا إلى حد بعيد بالقرار الدولي وهيمنت على المنظمات الدولية بما في ذلك مجلس الأمن ولكنها كانت حالة شاذة وطارئة في سياق التاريخ الذي كان يسير غالباً على قاعدة التوازن والثنائيات وليس الاستفراد والهيمنة، وهذا ما هو حاصل فعلاً في الواقع راهناً بل ويتجه نحو المزيد من الشراكة في قيادة العالم عبر قوى ناهضة جديدة خارج اطار القارتين الأوربية والأميركية ما يعني أن العالم يعيش إرهاصات أولى لتشكل نظام دولي جديد لن تكون أميركا قائدة له بل شريك أساسي فيه .‏

لقد ردت كل من كوريا وايران على الصراخ الأميركي أو لنقل الترامبي بمزيد من تعزيز قدراتهما العسكرية وهذا هو السلوك الصحيح والقرار المناسب لأن الحقائق والوقائع ودروس التاريخ تنبئنا أن من يحمي سيادة الدول وأمنها القومي القوة العسكرية القادرة على الردع والمتسلحة بإرادة وطنية صادقة أما العويل والصراخ والتهديد فلا مجال له في عالم السياسة وهذا ما يجب أن يدركه العرب وهم يمرون في ظروف تاريخية غاية في الصعوبة عبر استهداف غير مسبوق لدولهم ووجودهم القومي يوجب عليهم إعادة النظر في سياساتهم القاصرة حيث يعيشون حالة من الفرقة والعداوة والاستقواء بالأجنبي على الجار والشقيق ما جعل أغلب بلدانهم مجال نفوذ وسيطرة للقوى الخارجية، وحول ثرواتهم واقتصاداتهم وأموالهم إلى بنوك الغرب سداداً لفواتير سلاح يقتل فيه الشقيق شقيقه والجار جاره لا فرق سواء كان عربيا أم مسلماً في تراجيديا ليس لها مثيل في تاريخ المنطقة التي استطاعت لقرون من الزمن عبر وحدة كلمتها واعتمادها على قوتها الذاتية أن تشكل اكبر إمبراطورية عرفها التاريخ تموضعت حدودها على اكثر من ثلاث قارات من قارات العالم القديم.‏

khalaf.almuftah@gmail.com

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية