تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


لماذا تخالف الجامعة العربية ميثاقها؟

شؤون سياسية
الأحد 4-12-2011
د.عيسى الشماس

وزراء الخارجية العرب اجتمعوا يوم الخميس في الرابع والعشرين من تشرين الثاني الماضي ، بحجة تقويم الوضع في سورية بعد المبادرة العربية

، ودراسة الرد السوري على مشروع البروتوكول . وكان متوقعاً أن يؤنبهم ضميرهم ويعودوا إلى رشدهم ، ليبرهنوا على أنهم صادقون في ادعائهم الغيرة على سورية والحرص على شعب سورية ، لأن ذلك هو الامتحان / المحك عن الموقف القومي الصادق، والتبرئة من التدخل السلبي في شؤون سورية الداخلية .‏

ولكن الجامعة العربية ، بمن فيها من الوزراء المجتمعين ، أثبتت مرة أخرى ، بما لا يدع مجالاً للشك، أنها متورطة في المؤامرة على سورية ، وهي ترضخ للإملاءات الخارجية من الجهات التي خططت لهذه المؤامرة التي أصبحت مكشوفة الأبعاد والأهداف ، على الرغم من نكران الجامعة وادعاءات بعض الوزراء المجتمعين فيها بعدم التورط ونفي تلك التهمة . لكن الوقائع تثبت كذب ادعاءاتهم مهما قدموا من تبريرات. وبالعودة إلى الوراء قليلاً، نجد أنه عندما تحدثت الناطقة باسم الخارجية الأميركية في الثامن من تشرين الثاني، موجهة كلامها إلى العصابات الإرهابية في سورية بعدم تسليم أسلحتهم ، زادت وتيرة جرائم هذه العصابات في القتل والاختطاف للمدنيين والعسكريين ، وسارعت الجامعة العربية ، وكأنها تلقت أمراً لعقد اجتماعها المشؤوم في الرباط (17/11/2011) الذي أصدر مشروع بروتوكول لمعالجة الوضع السوري، من أهم مضمونات بنوده تشجيع العنف المسلح من خلال تحريض الجيش الوطني على التمرد، ووقف العنف ضد المدنيين ، من دون أن يحدد ما المقصود بالعنف، ولا سيما أن العصابات المسلحة هي التي تمارس العنف بأشكال مختلفة. وعندما حاولت سورية الاستفسار عن بعض النقاط الواردة في البروتوكول ، لم تستجب الجامعة العربية ، بل سارعت إلى تبني المشروع وحذرت من فرض عقوبات اقتصادية على سورية .‏

وعندما صرح بعض المسؤولين الأوروبيين والأتراك بضرورة فرض عقوبات اقتصادية على سورية ، سارعت الجامعة العربية إلى تبني هذه التصريحات ، وعقدت اجتماعاً لوزراء الخارجية في 27/11/2011 بحضور وزير الخارجية التركي الذي جلس بين الأمين العام للجامعة ووزير خارجية قطر رئيس الدورة الحالية لمجلس الجامعة مبتسماً ونافشاً ريشه . وقد اتسم الاجتماع بالكيدية وردود الأفعال السلبية من بعض المجتمعين ، الذين أصروا على إصدار بيان شديد اللهجة تضمن عقوبات اقتصادية قاسية على سورية ، ولا سيما تجميد الأرصدة المالية وعدم التعامل مع البنك المركزي السوري ووقف المشاريع الاستثمارية في سورية.‏

ومرة أخرى تخالف الجامعة العربية ميثاقها ولاسيما المادة الثامنة، وهي تتدخل في شؤون دولة عربية مؤسسة لهذه الجامعة، وتفرض عليها عقوبات اقتصادية في سابقة خطيرة، غير شرعية وغير قانونية ، بحسب الميثاق أولاً، والحاجة إلى إقرار قمة عربية على مستوى القادة . وهذا ما يثير الدهشة والاستفزاز ، بل يثير الاشمئزاز ، من مواقف المجتمعين تحت اسم (الجامعة العربية)وهم يتخذون مواقف وقرارات متسرعة وظالمة ضد سورية ، بأوامر خارجية تنفذها أدوات رخيصة نصبت نفسها زعيمة لهذه الجامعة ، في هذا الزمن العربي الرديء، الذي يشهد انحطاطاً خطيراً في القيم القومية والانسانية، ومشاعر الانتماء الأصيل إلى العروبة .‏

وإلا لماذا يتصرف هؤلاء باسم (العروبة) غيرة على مصلحة سوريةوالشعب السوري؟ وتناسوا أن عقوباتهم تمس صميم الحياة اليومية للشعب السوري، وتشكل حصاراً اقتصادياً ممن يسمون أشقاء ، وذلك كله تحت ذريعة الضغط على النظام لقبول البروتوكول (المشين) الذي جاء في مضمونه العام دعماً للعصابات الإرهابية المسلحة وتشجيعها في الاستمرار في القتل والتخريب ، وترويع المواطنين وزعزعة أمنهم واستقرارهم ، مع أن سورية وافقت على المبادرة العربية التي اتفق عليها في الدوحة (2/11/2011) وبدأت فعلاً بتنفيذها ، ولكن من شاركوا في هذه المبادرة حادوا عنها ونكثوا بها.‏

لقد دبت النخوة غير (العربية) في الجامعة العربية بشكل فجائي، واستطاعت بنقلة نوعية في عملها غير المسؤول أن تتخذ موقفاً كيدياً، عدائياً، ضد سورية الدولة العربية التي تعتز بأنها حاضنة العرب كلهم، في السراء والضراء، وأبوابها مفتوحة للأشقاء في كل وقت وفي كل حين ، بالضيافة والترحاب . فما زالت تحتضن أكثر من نصف مليون فلسطيني منذ النكبة 1948 ، ويتمتعون بحقوق المواطن السوري كاملة ، واستضافت أكثر من نصف مليون لبناني إبان الحرب الأهلية عام 1975 ، وما زالت تستضيف أكثر من مليون عراقي منذ الغزو الأميركي للعراق 2003، حتى اليوم، وهذا ما لم يتحمله أي بلد عربي آخر . فهل أدركت الجامعة العربية أن العقوبات الاقتصادية التي فرضتها تطال كل من يقيم في سورية؟!‏

ويبدو أن الوقت قد حان لتكافئها الجامعة العربية وترد لها الجميل بالنكران والعقوق وقلة العرفان ، ففرغ هؤلاء المستزلمون شحناتهم التآمرية على سورية بفرض عقوبات اقتصادية جائرة ، بدلاً من أن تكون ضد العدوان الأميركي على العراق، وضد العدوان الصهيوني الذي يحتل الأرض منذ ستة عقود ونيف ، ويعيث قتلاً وتدميراً ونكراناً لحقوق الشعب الفلسطيني ، الذي يعاني من العدوان المستمر والحصار الجائر، بينما مكاتب الكيان الإسرائيلي وسفاراته في الدول العربية ، معروفة ومكشوفة ، تعمل بحرية واطمئنان ومن دون قيود ، سوى الحفاظ على الرضا الإسرائيلي- الأميركي.‏

فمرحى لكم يا سماسرة السياسة العربية ، الذين برزتم في زمن الانحدار والتبعية والخضوع، لتسقطوا جام كيدكم وحقدكم على سورية وشعب سورية ، لأنها تقف ممانعة ومقاومة المشاريع الأميركية - الإسرائيلية لتصفية الحقوق العربية والهيمنة على المنطقة ... ولكنكم تعلمون الحقيقة بأن سورية ليست كما تظنون وتتوهمون، فهي الأقوى والأمضى عزيمة ، والأكثر عمقاً في جذور التاريخ العربي حضارة وعروبة ،ويشاطرها في ذلك مئات الملايين من المواطنين العرب في الوطن العربي الكبير ، الذين يقفون مع سورية ويصرخون في وجوهكم استنكاراً وتأنيباً وإصراراً، على أن ما قمتم به هو وصمة عار على جباهكم ، وأن سورية كانت وستبقى قلب العروبة النابض والأم الحنون لكل أبناء العروبة ، فما هانت ولن تهون ولن تنحني أمام تخاذلكم وتهديدات أسيادكم ... لعلكم تتفكرون ...!!‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية