|
هآرتس ولم يكتف بذلك فحسب، بل عمد أيضا إلى وقف التمويل السنوي البالغ 60 مليون دولار عن منظمة اليونيسكو. وفي ظل هذا الواقع أخذت وكالة الإغاثة الدولية في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة التفكير باتخاذ إجراءات ترمي إلى التخلي عن نصف ما لديها من العاملين، أما إسرائيل فقد انتهزت الفرصة لتحتجز حوالي 200 مليون دولار من عائدات الضرائب التي تجنيها لصالح السلطة الفلسطينية. إزاء ما ذكر نتساءل عن الأسباب التي حدت بالولايات المتحدة لاتخاذ تلك الإجراءات بحق الفلسطينيين الذين يعيشون بحالة من البؤس والضنك ويخضعون لحصار دائم وكل ما اقترفوه هو سعيهم لتحقيق اعتراف دولي بهم، وقناعتهم بعدم جدوى المفاوضات في ظل معادلة غير متكافئة تقوم بينهم وبين قوى الاحتلال الغاشمة المدعومة من قبل أكبر قوة في العالم. و لا ترى الإدارة الأمريكية سبيلا للسلام إلا عبر مفاوضات مباشرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، على الرغم من أن حصول فلسطين على عضوية الأمم المتحدة لا يحول دون الدخول في المفاوضات بل إنه من المرجح أن يكون للاعتراف بالدولة الفلسطينية الأثر البعيد في التوصل إلى اتفاق لأنه سيمكن من تدويل المفاوضات ومشاركة دول أخرى إضافة إلى الولايات المتحدة والرباعية التي أثبت الواقع عدم فعاليتها في اتخاذ حل مناسب للنزاع القائم. لا شك بأن ما تقوم به الولايات المتحدة من إجراءات سيلحق الأذى بها وبالمنظمات الدولية ولا توجد أي مصلحة لها في إضعاف الأمم المتحدة، أو النأي بنفسها عن المشاركة في قضايا هامة مثل القضايا البيئية والانتشار النووي ومكافحة الإيدز والملاريا والجوع وغيرها من أمور أخرى، خاصة في ضوء النظر إليها من كثير من دول العالم بأنها لم تعد قوة مؤثرة موثوقاً بها لتحقيق السلام في الشرق الأوسط بعد أن أساءت إلى سمعتها التي بذلت أكثر من ستين عاما في بنائها... وعلى الرغم من بقائها أكبر قوة في العالم فلم تعد النظرة إليها باعتبارها الدولة الخيرة الحامية لحقوق الإنسان، لأنه لا يمكن لأي أمة تتمتع بقدر قليل من الأخلاق أن تحجب المساعدات الإنسانية عن أربعة ملايين من البشر يعيشون حالة مزرية من البؤس والفاقة. لاريب بأن أربعة ملايين فلسطيني لن يغفروا على الإطلاق لمن جعلوهم يعيشون في أكبر سجن في الهواء الطلق، ومهما كانت المبررات فإن الواقع يؤكد لنا بأن كل فرد في هذا البلد سينشأ محبطا يائسا خاصة عندما يعلم بأنه من المتعذر عليه مغادرة الأراضي الفلسطينية ولا يسمح لكثير من الأجانب الدخول إلى بلاده ويعلم بأن الفلسطينيين قد حرموا من أبسط الاحتياجات مثل الماء النظيف والكافي والرعاية الطبية وفرص العمل وإنهم يفتقدون لأبسط حقوق الإنسان ويتعرضون إلى الكثير من القمع دون أن يتلقوا المساعدة من أي جهة، ولا ريب بأن للفلسطينيين حقوقا كغيرهم من شعوب العالم بالمطالبة بحريتهم التي طال عليهم أمد انتظارها، الأمر الذي قد يجعلهم يطرقون أبواب اللاعودة. لكننا نتمنى ألا نعود إلى دوامة العنف. ألقى الرئيس الأمريكي باراك أوباما خطابه الشهير في القاهرة عام 2009 مانحا الأمل للعالم الإسلامي (الذي يزيد تعداده عن بليون مسلم) بأن الولايات المتحدة ستعتبرهم شركاء لها بمعالجة المعضلات الكبرى في العالم، لكننا لم نقف على أي تنفيذ لأقواله على أرض الواقع، لذلك على أوباما أن يفي بوعده وينفذ ما بثه من أمل في قلوب المسلمين وأخذ العلم بأن دعم العمليات الانتقامية ضد الفلسطينيين يقلل من مصداقية كلماته المنمقة التي قال بها في ذلك الحين.ونشاهد اليوم الولايات المتحدة التي دأبت على دعم الأنظمة المستبدة في العالم العربي تتوجه إلى دعم الحركات التي قامت بمناهضة تلك الأنظمة. فهل تستثني الفلسطينيين من توجهاتها تلك؟ منذ نشأتي الأولى وحتى الآن، مازلت أدعم الوجود الإسرائيلي. لكني مع ذلك، أرى بأن أي نظام ينكر الحرية لملايين البشر هو نظام محكوم عليه بالفشل. لكن كم من البشر ستزهق أرواحهم قبل أن يعرف السياسيون الأمريكيون هذا الواقع، لذلك نرى بأنه على من يؤيد إسرائيل ويخلص لها ألا يلتزم الصمت إزاء تصرفاتها. فالصديق الحقيقي لا يترك القيادة لصديقه الثمل. وقد آن الوقت للأكثرية التي تتمتع بقسط من الأخلاق رفع صوتها والمطالبة بالوقوف إلى جانب الحرية والعدالة وحقوق الإنسان التي سبق وأن وعد أوباما بها في القاهرة. يتعين على الأمم المتحدة الاعتراف بدولة فلسطين لأن هذا الاعتراف هو السبيل لتحقيق السلام وتجنب الوقوع في كارثة مقبلة. وفي هذا السياق، نستذكر ما قاله أفلاطون:«يمكن لنا بسهولة أن نغفر للطفل خوفه من الظلام، لكن المأساة الفعلية هي عندما يخاف الكبار من النور» لذلك علينا الإقرار بأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية يضعنا في الطريق الصحيح ويمكننا من حل النزاع العربي-اليهودي الذي أريقت به الكثير من دماء الشعبين على مدى حقبة من الزمن. وقد آن الوقت كي نتحلل من الخوف الذي تجذر في نفوسنا وتعمق بها. بقلم: ستيفن روبرت |
|