|
فضاءات ثقافية
وبالرغم من إيمانها بالاشتراكية، لم تدخر نقداً للنظام في برلين الشرقية. فولف التي آمنت بالماركسية في بداية حياتها،عاشت وعملت فيما كانت تعرف سابقاً بألمانيا الشرقية وركزت قصصها على الحياة في الدولة الاشتراكية واستكشاف مثلها وقيمها. ليس هناك شك بأن كريستا فولف هي أهم كاتبة في ألمانيا خلال القرن العشرين، كما أنها أحد أهم الأصوات الأدبية في العالم. عاشت فولف في ألمانيا الشرقية، وكانت عضواً فعالاً في الحزب الاشتراكي الحاكم. ورغم ولائها للحزب ولأفكار الشيوعية، لم تتوان عن انتقاد عديد من سلبيات النظام الشمولي. تركت كريستا فولف أعمالاً عديدة من أهمها، «تأملات حول كريستا ت.»، و«نموذج طفولة» و«لا مكان، أبداً»، و«كاساندرا» ، و«ميديا: أصوات» و «لسماء المقسمة». أما آخر رواياتها فقد صدرت العام الماضي تحت عنوان «مدينة الملائكة، أو معطف الدكتور فرويد». المسافة النقدية حاولت كريستا فولف طيلة حياتها أن تحتفظ بمسافة نقدية بينها وبين جمهورية ألمانيا الديمقراطية السابقة وحزبها الاشتراكي صاحب النزعة الشمولية، غير أنها ظلت مع ذلك وفية لدولتها حتى مرحلة النهاية، حتى إنها دعت إلى القيام بإصلاحات قبل سقوط سور برلين بأيام في عام 1989. آنذاك وقفت كريستا فولف في ساحة «ألكسندر بلاتس» الشهيرة في قلب برلين الشرقية، ودعت مواطني ألمانيا الشرقية إلى البقاء وعدم «الهروب» إلى الغرب: «أعزائي المواطنين، إن القلق العميق يستولي علينا جميعاً. إننا نرى الآلاف الذين يغادرون البلاد في كل يوم، ونحن على يقين بأن السياسة الخاطئة المستمرة حتى الأمس القريب ما زالت تثير الريبة في نفوسهم. إننا على وعي بعجز الكلمات أمام الحركات الجماهيرية، ولكننا لا نملك إلا الكلمات. إن الذين يغادرون البلاد يقلصون أملنا. إننا نرجوكم: ابقوا في وطنكم. ابقوا معنا.» بهذه الكلمات توجهت الكاتبة الكبيرة كريستا فولف إلى المواطنين في ألمانيا الشرقية يوم الثامن من تشرين الثاني عام 1989، أي قبل يوم واحد من سقوط سور برلين وانهيار الكتلة الشرقية. حتى ذلك الحين كانت الكاتبة الشرقية ما زالت تعتقد بإمكانية إصلاح النظام الاشتراكي، وأن يكتسب ملامح إنسانية. غير أن التطورات خيبت آمالها. بعد الوحدة الألمانية عام 1990أضحت كريستا فولف هدفاً لهجوم حاد، واتهمها البعض بأنها كانت جزءاً من «المؤسسة»، وازداد الهجوم عليها بعدما تبين أنها تعاونت لعدة سنوات مع جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية (الشتازي). صدمة لوفاة فولف وأعرب أمين عام الثقافة لولاية برلين أندريه شميتس عن صدمته لوفاة كريستا فولف. وقال شميتس إن فولف «واحدة من أعظم الأديبات في تاريخ الأدب الألماني». وأضاف شميتس «إن مؤلفة «السماء المقسمة» كانت مبدعة حرة تحت نظام دكتاتوري، وتمكنت من توثيق وضع ثابت لها في مواجهة الدولة بطريقتها الخاصة». واستدعى شميتس للذاكرة أن فولف كانت من بين الموقعين على الخطاب المفتوح الذي كتبه عدد من المثقفين في ألمانيا الشرقية السابقة معارضين فيه نزع الجنسية عن الكاتب والمغني المشهور فولف بيرمان. وقد ترجمت أعمال كريستا فولف إلى ما يزيد على عشرين لغة. ويستطيع القارئ العربي الاطلاع على خمسة من أعمالها، وهي «ما يبقى» و»نموذج طفولة» و»كاسندرا» و»ميديا: أصوات» وأخيراً «هذا الجسد». وقد حصلت فولف على العديد من الجوائز الأدبية، كان آخرها في عام 2010 حيث حصلت على جائزة توماس مان المرموقة عن توثيقها «كفاح وآمال وأخطاء عمرها.» |
|