تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


خيبة مملوءة بالأمل وانكسار منتشي بالاستقامة...إنه رياض الصالح الحسين في ذكراه

ثقافة
الأحد 4-12-2011
باسم سليمان

الذي تأبط الشعر, كان أصماً وأبكماً, سخر بهما من أنّ الشعر ظاهرة صوتية وقرر أنّ الشعر هو قراءة للشفاه الصامتة بل وأكثر ذهب به إلى الهامش المنسي إلىاليومي والجزئي وشؤون الحياة الصغيرة,

فلا تراجيديا ولارومنسية ولالغة في اللغة, ولاقضايا كظهر البعير تقسمها قشة, أراده أن يشبه الحديث البسيط الذي يدور بين ذاتِ وجدلها بين حبٍ وحبيبة , خلع عباءة الآباء والأبناء, كان الحفيد الذي حُرم من العصبية, فاشترع نسبه الخاص وصار أباً ليتناسل منه جيل من الشعراء وقبل أن تصيبه لوثة المجد غادر بخراب الدورة الدموية الذي كتبه يوماً.‏

رياض الصالح الحسين لم يكن كغيره من الشعراء ينمون, قصيدةً, قصيدةً, يتسلقون نخلة الزمن؛ ليهزوها فيما بعد,فتساقط عليهم رطباً, كانوا كلهم قناعة أن الزمن رحيم بهم, فيصقلون مهارتهم في التجربة والفشل والنجاح, أمّا هو, فقد تنبأ لنفسه, فهو الأولى بنبوءته من غيره, عرف أنّ الزمن والجسد يتآمران عليه لن يمهلاه ليتعلم بل حتى ليقول ما لديه, فسكب قوله حتى كاد الشعر يصرخ (يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء اقلعي).‏

شعر رياض الصالح الحسين فيه من الوحشية الغرائزية الطبيعية الكثير وما اقصده هنا, إن الغزال لايحتاج لدخول المدارس ليجري ويقفز بعد دقائق من ولادته كذلك السمكة ما أن تفقس من بيضتها حتى تحرك زعانفها وتفهم التيار والقارئ معه يكاد يقول,أنا من كتبتُ هذا. هذه البساطة والتلقائية الممتنعة على التكلف والصنعة تعني أنها تنبع من إحساس مرهف وفكر يدفعه جدله الداخلي للتحليق بيسر وكأنه يركب تيار الهواء الصاعد من سطح الأرض, فهل في ذلك صرخة مضمرة تجاه القول السابق عليه أم إنها تجاوزت الإضمار وهتكت ستر التقية وأعلنت أن المأدبة الشعرية هي في الفرح والغناء واللعب والبكاء والأمل بشؤون صغيرة لكنها هي من تصنع الحياة!؟.‏

كان نزار قباني بمعجمه السهل وموضوعه الشهي المرأة, بأن جعل شعره ينشد الآفاق, فلا ترده خائباً ومهما تناول النقد شعر نزار سلباً أو إيجاباً وانه ابن مرحلة زمنية, فمازال شعره يقرع طبوله, رقص من رقص أو رفض من رفض, يشابهه رياض الصالح الحسين من هذه الناحية, بمعجمه السهل فقط لكن يختلف معه بموضوعه الكبير ألا وهو الحياة ,فالشبه يدق حتى يفترق إلى الاختلاف, فرياض ذهب مذهب الاحتفاء بالوجود وتفاصيله, بالباهت منها والمغيب, بالظلال, بالأنفاس الصامتة لعمال وجنود وعشاق وو... كانت كفا الشعر لديه خشنة كيد عامل وكيد صبية تحصد ولها طعمة مالحة وخيبة مملوءة بالأمل وانكسار منتشي بالاستقامة.‏

إنه شاعر النحلات العاملات وليس شاعر الذكور الذين ليس لديهم من واجب إلا إخصاب الملكة في رقصة موت تصل عنان السماء. تجد مورثاته في كل شعراء اليوم وتغيب مورثات شعر نزار رغم الطبول التي تقرع وما خسره من جادة القراء إلا لأن الشعر بالمجمل صار متسولاً تغلق دونه الأبواب.‏

رياض أنزل لاهوت أدونيس للساحات وكهانة عفش للسهرات ونثرية الماغوط للحديث اليومي هكذا هو بسنينه القليلة, قرأهم بطريقته وعندما كتب ترك للآخرين كيفة القراءة.‏

ولد رياض الصالح الحسين في مدينة درعا في 1954 وهو من مارع في حلب وتوفى في 21/ 11/ 1982 في دمشق، إصداراته عن مطابع وزارة الثقافة بالترتيب : خراب الدورة الدموية – أساطير يومية- وعل في الغابة,أُنجز بعد وفاته وأيضاً أصدر عن دار الجرمق:بسيط كالماء واضح كالطلقة عام 1982‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية