|
الافتتاحية وماعجزت عنه في مجلس الأمن تعوضه في المنظمات الدولية التي تحولت إلى جزء من تلك الأدوات، فيما تعلو معها بالتوازي أصوات«مجلس اسطنبول» للمطالبة بالتدخل الخارجي والتعهد بإعلان القطيعة مع المقاومة ونقل سورية من خط الممانعة إلى الانخراط في المشروع الأميركي - الاسرائيلي. هذا الاستنفار المتعدد الأشكال والنماذج يأخذ صيغاً ملتوية عبرت عن نفسها في هذه الحماسة التي تبديها بعض الأطراف.. فيما يأتي مباشراً سواء من خلال جولات المسؤولين الأميركيين في المنطقة أم عبر التسلط المباشر على المنظمات الدولية. في كل الأحوال لم يكن موقف مجلس حقوق الانسان خارج سياق المتوقع باعتبار أن الادارة الأميركية تحدثت صراحة عن لجوئها للضغط عبر تلك المنظمات بعدما فشلت في مجلس الأمن.. والسؤال ماذا بعد؟! إن الهيمنة الغربية ليست وليدة اليوم ، ولا هي نتاج مستجدات الأوضاع العربية، فقد كانت تلك المنظمات ولا تزال تأتمر إلى حد بعيد بالاملاءات الأميركية، وإلا فماذا يعني بقاؤها خارج التأثير السياسي على مدى عقود خلت، ولم تحرك ساكناً إزاء الانتهاكات الاسرائيلية المدوية والأميركية وغيرها. لكن توريط مجلس حقوق الانسان ليكون إحدى أدوات الضغط الأميركي على سورية يستدعي التوقف والتمعن وإعادة قراءة المشهد السياسي كله باعتبار أن التسييس الطاغي على أعمال المجلس وخطواته تفقده أحد أهم مبررات وجوده. وبالقدر ذاته فإن الاستعانة الأميركية به تشكل دليلاً إضافياً على فشل مزدوج تواجهه الادارة الأميركية سواء بالأدوات أم بالوسائل على مستوى المخطط الذي يستهدف المنطقة عموماً، وخصوصاً عندما يقترن بلغة تصعيد سياسي وفرض عقوبات تركية واوروبية، وانكشاف دور بعض الأدوات المستخدمة في مجلس اسطنبول الأميركي الصنع والاسرائيلي الهوى والهوية. من المؤسف أن ينساق مجلس حقوق الانسان ليضاف إلى الأدوات الأميركية والغربية، وأن يكون اداؤه انعكاساً واضحاً للارادة الأميركية، وليس استجابة لمبادئه وشعاراته التي يحملها منذ ستة عقود ونيف. ومن المفجع بالنسبة لكثيرين على مستوى المنطقة والعالم أن يصل التسييس للمنظمات الدولية إلى حدود الفضيحة الكاملة. إلا أنه في الوقت ذاته، كان من الضروري أن تنكشف بعض الأدوات وأن يفتضح دورها وموقعها والثمن المقبوض سابقاً، والتعهد الممهور من قبلها مسبقاً، ليس لأننا لا نعرفها وقد سبق أن حددنا وبكثير من الدقة مساحة ارتباطها بالمشروع الأميركي وبالأجندات الخارجية، وإنما لإعادة تأكيد ما هو مؤكد في ظل الفوضى السياسية والإعلامية ومناخ التضليل غير المسبوق. بالنسبة لنا المسألة محسومة سلفاً، وأدوات الضغط الأميركي ومن يسير في ركبها لم تفاجئنا.. لا في معطياتها ولا في الدرك الذي وصلت إليه.. وهي بكل الأحوال لا يمكن أن تعدل في الحقائق الواضحة منذ وقت طويل. لكنها في الوقت ذاته تؤشر إلى السياق الذي ينتج هذا الكم من التداعيات المرافقة أو الموازية.. وتقدم في الوقت ذاته الاطار الذي يحدد مساحة المواجهة وأدواتها ويبدد بشكل نهائي الضبابية التي حاولت الخلط لبعض الوقت.. وكلما عرفنا عدونا وأدواته ووسائله بدت المواجهة أسهل وأكثر فاعلية. لا ننكر عليهم أن استنفارهم وبهذا الشكل يعكس حدود ومساحة الافلاس السياسي والإعلامي، وانكشاف بعض الأدوات والأدوار المنوطة بها يترجم هذا التسخين في المواقف، ويفضح الادعاءات الجوفاء والشعارات الكاذبة التي حاولت أن تكون وحدها في ساحة المواجهة. لكن عليهم أن يقروا مسبقاً أن أوراقهم التي انكشفت بدت محترقة قبل استخدامها، فليس هناك من يقبل على نفسه طلب التدخل الخارجي إلا من هو عميل وخائن.. وليس هناك في سورية من يساوم على خط الممانعة والثوابت القومية اللذين يشكلان في وجدان السوريين الرابط السري الذي لا حياة دونه!. |
|