تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


في ذكرى رحيله . ممدوح عدوان ..هكذا يورق الرحيل

ثقافة
الأربعاء 19/12/2007
ديب علي حسن

ليس في محطات الرحيل ما يشغل البال أكثر من السؤال الملح إذا كان الراحل مبدعاً بحجم ممدوح عدوان السؤال: من يسد هذا الفراغ ومن هو الذي يحرس الابداع الذي تتركوه..?

ممدوح عدوان الغياب الذي يزداد حضوراً كيفما كان المعنى الذي يفهم من هذا القول, فالمبدع الذي رحل بعد ان أورق في اليباس شعراً ومسرحاً ونقداً وحضوراً, الشاعر هذا بقامته الابداعية لا يزال يشغل الباحثين والدارسين ولا تزال آثاره تطبع وتحتل مرتبة الصدارة, وبهذا المعنى فإن ممدوح عدوان الغائب جسداً سيبقى حاضراً بألقه الابداعي, وبالمعنى الآخر, فإن غياب مبدع حقيقي في هذا الزمن- وعلى ندرتهم - يعني ان الخسارة كبيرة وان من سيملأ الفراغ سيحتاج زمناً طويلاً الى ان يصل, وقبل ان يصل ثمة زرازير تظن نفسها انها صارت شواهين, تحاول ان تملأ الساحة وتصول وتجول, ولكن دون جدوى اللهم إلا ضجيج اعلامي لا يلبث ان يتلاشى..‏

وفي ذكرى رحيله نرى ان تقديم باقة من آرائه النقدية ومن قصائده خير من أي كلام آخر يقال.‏

بين الشعر والقراء.. يقول عدوان : الفنان المبدع هو الانسان الصافي.. وسعيه نحو النضج هو سعيه نحو هذا الصفاء, نحو ان يكون الكل في نفسه إنه السعي نحو كشف الحقيقة: حقيقة نفسه كونه (ا نساناً) حقق انسانيته, ولهذا يتساقط الكثيرون في طريق النضج وذلك حين ينفصل التطور الشكلي عن التطور في المضمون الفنان الحقيقي هو الذي يصل الى نهاية المطاف.. هو الذي يغوص الى القرار.. يصبح (الانسان) هو الجذر الحقيقي للانسان في عالم من هذا النوع جميع الشروط المحيطة بالانسان يجب ان يخترقها الفنان, اي ان الفنان ليس في فنه انسانا مشروطا إنه قد اخترق شروطه وسبر غورها ووصل الى المكان الذي يستطيع منه (رؤية) كل شيء واكتشاف هذه العلاقة اكتشافاً واعياً.‏

موت الفن.. يموت الفن المهتم بالامور اليومية وبالمشكلات السطحية إن الفنان الحقيقي لا يهتم للملابس المتسخة.. بل يهتم للقذارة في نقي العظام وللدماء المنتنة في الشرايين ولا يهتم لحاجة الانسان الى لفافة تبغ إلا اذا رأى فيها دليلاً على حاجته الى الخبز والجنس والحرية والوجود الحقيقي, وقدرته على هذا الاهتمام ناجمة عن قدرته على رؤية ما لا يرى بالعين المجردة.إن عينه مركبة ولذلك قد يرتمي الفنان في الوحل لكنه لا يفقد القدرة على رؤية عكر العالم ولذلك يبقى رامبو والحطيئة فنانين اصيلين.‏

كلمات عاجلة الى القنيطرة.. قبل ان أبدأ الكتابة إليك أمسح جبيني, ولا ادري ان كان يتصبب عرقاً أم عاراً.. واثق انه لا يتصبب دماً ولا ماء ماء وجهي أريق منذ زمن..‏

كنت أكره المدن حسبت أنني ريفي يصارع المدن من أجل طفولته. وحين فقدتك أحببت كل حجر في وطني, واكتشفت انني احبك مذ ولدت.. اذكرك وانت تطلين علي في زحام حياتي. وحين أعود الى البيت افتح الباب لدموعي التي خبأها الكبرياء..بودي لو نقلت اليك كل ما لدي من الشعر عنك : كل القصائد التي كتبتها والتي خجلت -او خفت - ان اكتبها . اكتبك شعراً وانا انظر الى الارض , اتابع بعيني الظلال والاقدام أسير على أفق الارصفة واذا اتعبني السير في خط مستقيم نذلت الى الاقبية.‏

قصيدة النثر هل قدمت قصيدة النثر اضافة..? أقول:نعم ولكن ما يزال الوقت مبكراً على تلمس هذه الاضافة, لقد احتجنا الى خمسين عاماً من قصيدة التفعيلة, كتب فيها آلاف الناس مئات الآلاف مما أسموه قصيدة التفعيلة, حتى انتهينا على ما يزيد عن عشرين شاعراً في الوطن العربي, فلننتظرهم قليلاً هم أيضاً سيعقلون وسيقوم الزمن بغربلتهم .‏

تلويحة الوداع الاخير.. يده كانت رحيمة‏

وأنا كنت وحيداً في العراء‏

انطوي, أخفي غضوني وجنوني‏

ثم أبكي.. قدر ما يحلو لأمثالي البكاء‏

كنت مرمياً على الارض التي‏

لم يبق لي حضن سواها‏

يده كانت رحيمة كملاك حط من عطف السماء‏

حاملاً ما احتجت في أهلك أيامي‏

الى بعض العزاء‏

يد انسان.. نصير اثنين في وجه الفناء.. يده تمسح شعري ثم تربت على شعري‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية