تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


روح جـــديـــدة .. وليســــت اســتنســاخــاً للاتحــــاد الســـوفـيـيـتـي

قاعدة الحدث
الخميس 8-12-2011
إعداد - عزة شتيوي

في غيابه تستبد القوة في عقول القادة وفي حضوره يستيقظ الحق في عقول الشعوب هكذا يصف الكاتب والإعلامي د. فايز الصايغ الدور الروسي الراعي للسلام العالمي والأمن الدولي

والمناصر لحقوق الشعوب الواقعة في مدى الطمع الغربي وخاصة أميركا والذي برز ونشأ أساساً في ظل الاشتراكية والعدالة والمساواة.‏

روسيا أو كما نناديها الشقيقة الكبرى، روسيا تلك الدولة التي أدركت أن قوة أي شعب أو أمة في وحدتها فكانت مثالاً تاريخياً في الوحدة والقوة بعد الاتحاد السوفييتي الذي امتد بين عامي 1922- 1991م أي ما يقارب السبعة عقود أول تجربة وحدوية روسية شكلت قطباً عالمياً موازياً للقطب الأميركي نشأ وتوسع الاتحاد السوفييتي، كاتحاد من الجمهوريات السوفييتية التي تكونت داخل مناطق الامبراطورية الروسية التي تم الاطاحة بها بالثورة الروسية عام 1917 حيث شمل هذا الاتحاد مناطق شمال آسيا (روسيا) وشرق أوروبا ومناطق من وسط آسيا ووصل عدد جمهورياته قبيل أنهياره إلى 15 جمهورية كانت روسيا أكبرها وكان الحزب الواحد هو الحاكم وهو الحزب الشيوعي السوفييتي تغيرت الحدود الجغرافية للاتحاد السوفييتي مع الوقت ولكن ومنذ العام 1945 وحتى انهياره كانت الحدود مقاربة لتلك التي كانت عليها رقعة روسيا القيصرية، في فتراتها المتأخرة باستثناءات مثل بولندا وفنلندا.‏

يعتبر لينين من القادة الذين أسسوا للاتحاد السوفييتي والذي من أهم أسباب نشوئه هو ضعف النظام القيصري في روسيا وتردي الأوضاع الاقتصادية.‏

وبسبب دخول روسيا في الحرب العالمية الأولى ضد ألمانيا كانت قد نشطت في روسيا العديد من الأحزاب اليسارية المبشرة بالنظام الاشتراكي الذي كان بمثابة الأمل الوحيد للتخلص من الاقطاعيين والرأسماليين المدعومين من قبل الحكومة القيصرية وبعد عدة نزاعات وملاحقات وتحالفات استطاع الشيوعيون بالتعاون مع قوى وأحزاب أخرى إزاحة النظام القيصري وإقامة الاتحاد السوفييتي.‏

جاء لفظ سوفييت من الكلمة الروسية التي تعني لجنة وكان النظام آنذاك يتكون من لجان ذات عدد محدود تغطي جميع المناطق في الاتحاد ثم تترتب اللجان بشكل هرمي وصولاً للجنة المركزية للحزب الشيوعي ويرأس الاتحاد السوفييتي السكرتير العام للحزب الشيوعي.‏

وضم الاتحاد السوفييتي كلاً من روسيا - أرمينيا - أذربيجان - روسيا البيضاء - استونيا - جورجيا - كازاخستان - قرغيزستان - لاتفيا - لتوانيا - مولدافيا - طاجيكستان - تركمانستان - أوكرانيا - أوزبكستان.‏

اعتمد النظام الاقتصادي للاتحاد السوفييتي على ملكية الدولة أي تخطيط الدولة الواسع النطاق للنشاطات الاقتصادية وقبل انهياره كان الاتحاد السوفييتي ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة الأميركية وتؤكد الاحصائيات حينها تطور مساهمة الاتحاد السوفييتي في الصناعة العالمية في 5.5٪ إلى 20٪ بين عامي 1913 حتى 1980 ولكن خلال فترة الثمانينيات من القــرن الماضــي عانى القادة السوفيات من المشاكل الاقتصادية وانتشرت المجاعة في اوكرانيا ولكن هذا الاتحاد تمكن من الصمود اقتصاديا رغم كل التداعيات التي خلفتها الحرب العالمية الثانية‏

كان قدوم الرئيس الأخير للاتحاد السوفييتي ميخائيل غورباتشوف أول مسمار يدق في نعش الاتحاد حيث مهد الطريق بخططه الخافضة لحمى التوتر السوفييتي الأميركي إلى الانهيار الذي حدث في الاتحاد السوفييتي، وقبيل الانهيار قام عدد من كبار المسؤولين بانقلاب على سلطة غورباتشوف بهدف إعادة الاتحاد السوفييتي نحو النظام الشمولي المركزي والتخلص من البريسترويكا التي أقامها غوربا تشوف والتي تبتعد عن روح النظام الشيوعي ولكن تلك المحاولة فشلت بسبب انهيار المنظومة الاقتصادية للاتحاد، الأمر الذي أفقد الشعوب السوفييتية إيمانها بالاتحاد فبزغ حينها نجم الرئيس يلتسن ووقع رؤساء الجمهوريات السوفييتية على حل الاتحاد السوفييتي عام 1991 ليسدل الستار عن أول تجربة نظام اشتراكي قام على أفكار ماركس وانجليز ولينين وبقي الجدل حول انهيار الاتحاد السوفييتي إلى يومنا هذا بأنه خللٌ في النظرية الاشتراكية ذاتها أو خلل في التطبيق.‏

استفاقت بعد الانهيار روسيا على تجربة ثانية في تجارب الوحدة حيث تم في 12 كانون الأول من عام 1991 مصادقة من قبل مجلس السوفييت الأعلى لجمهورية روسيا السوفييتية الاشتراكية على اتفاقية تشكيل رابطة الدول المستقلة في محاولة لتجميع مايمكن جمعه من أطراف الدول العظمى السابق (الاتحاد السوفييتي) وكوسيلة لحل الكثير من القضايا التي تراكمت نتيجة العيش المشترك لأكثر من سبعة عقود وفي 25 كانون الأول عام 1991 صدرقانون بتغيير اسم جمهورية روسيا الاشتراكية السوفييتية الفيدرالية إلى روسيا.‏

ولعل دعوة أول رئيس لروسيا ما بعد الاتحاد السوفييتي بوريس يلتسين للأطراف بأن يأخذوا من السيادة ما يتمكنون من ابتلاعه، حلقة أخرى في سلسلة العملية التي بدأت بانهيار الدولة العظمى والتي كانت جمهورية روسيا السوفييتية نواتها الأساسية. في 21 كانون الأول 1991 م كونت رابطة الدول المستقلة والتي ضمت روسيا وروسيا البيضاء وأوكرانيا وأرمينيا وأذربيجان وطاجكستان وأوزبكستان وتركمانستان وقرقيزستان وكازاخستان ومولدافيا ووقعت الدول على ثلاث اتفاقيات.‏

الاتفاقية الأولى تعلق إنشاء رابطة الدول مع تكوين مجلس لرؤساء الدول يضم الأعضاء ويتولى التنسيق فيما بينها وتم الاعتراف بأن الجمهوريات المشاركة على قدم المساواة بحكم أنها أعضاء في مؤسسة الرابطة.‏

الاتفاقية الثانية: وأطلق عليها إعلان/ الماآتا/ حيث يتم بموجبها الاعتراف باستقلال الجمهوريات المؤسسة في إطار حدودها.‏

أما الاتفاقية الثالثة ويتم بموجيها إنشاء قيادة عسكرية مؤقتة للقوات المسلحة للدول الأعضاء حتى نهاية عام 1991 حتى يتم الاتفاق على الوضع النهائي لتلك القوات على أن تكون القوات التقليدية والنووية تحت امرة تلك القيادة.‏

وفي 31 كانون الأول 1991 اجتمع رؤساء رابطة الدول المستقلة في فينسك واتفقوا على السماح لكل دولة بتشكيل قواتها العسكرية المنفصلة ولكنهم عجزوا عن مبدأ ايجاد قيادة واحدة لكل القوات مجتمعة فيها وفي شباط عام 1992 عقد اجتماع لرابطة الدول المستقلة واتفقوا على إنشاء تلك القيادة مع رفض كل من أوكرانيا وأذربيجان ومولدافيا الانضمام إليها ولم يكن اتحاد الجمهوريات المستقلة بقدر النضج الذي كان عليه الاتحاد السوفييتي فقد جاء هذا الاتحاد مسرعا دون وضع أسس وقواعد سليمة حيث تم تشكيله كردة فعل على انهيار الاتحاد السوفييتي.‏

أما اليوم فتعيش روسيا تجربتها الاتحادية الثالثة مع وصول الرئيس الثاني لروسيا الفيدرالية فلاديمير بوتين ولايته لرئاسة الدول حيث أصدر مرسوماً رئاسياً يقضي بتشكيل 7 دوائر فيدرالية تضم الواحدة منها مختلف الأطراف (الجمهوريات والمقاطعات والأقاليم) وهو مايسمى الآن الاتحاد الأوراسي.‏

حيث حرص فلاديمير بوتين في مقالة بصحيفة ازفيستيا على أن يبدد الشكوك بأن يكون هذا المشروع التكاملي الجديد هدفاً إلى استعادة الاتحاد السوفييتي بطريقة أو بأخرى، ومع ذلك حظيت هذه الإشارة باهتمام وتعليق كثير من المحللين الذين اعتبروا أن الاتحاد الأوراسي إذا ماتم تكوينه فسيكون استنساخاً للاتحاد السوفييتي مع ضبط مؤثرات استقباله على موجات وقائع القرن الحادي والعشرين.‏

خصوصاً أن الدول المستقلة أو اتحاد جمهوريات روسيا فقد اليوم محفزاته ودافعه وكماأن الاتحاد الجمركي الذي يجمع روسيا بلاروسيا وكازاخستان لايزال يعاني من اختبائه في مرحلة النسيان والإهمال.‏

ويبقى الدفع في اتجاه التفاؤل بأطروحة بوتين الأوراسية الجديدة كبيراً، خصوصاً أنه سيزيل الحواجز الجمركية ماسيقدم دفعاً لتنمية التجارة والروابط الاقتصادية بين جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق كماأنه سيفسح المجال واسعاً لملايين السكان ممن يعيشون في جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق لحرية أكبر للحركة بين الأقاليم كماأن شعوب هذه المنطقة الأوراسية ستتمتع بالمزايا نفسها التي يتمتع بها نظراؤهم الأوروبيون في حركتهم الحرة داخل نطاق الشيغن كما أن عضوية الاتحاد الأوراسي المقترح ستبدو لجمهوريات الاتحاد محققة لخيار الكل رابح.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية