|
الافتتاحية وبعد أن تنطحت تلك الأطراف لمهام بدت واقعياً أكبر بكثير من قدراتها، يبدو أن العدوى أيضاً انتقلت بالتدريج إلى الأمانة العامة للجامعة العربية في عملية هروب جديدة من المأزق الذي دفعت إليه الجهود العربية حين حمّلتها فوق طاقتها، واستدرجتها إلى خانات خارج سياقها. وبالتوازي معها تطلق السياسة الأميركية قفازاتها باتجاهات مختلفة، وتمارس ضغطها، فيما رسائلها المتنقلة سواء عبر موفديها بالوكالة أم من خلال رئيسة دبلوماسيتها بالأصالة، تتساقط في العواصم العربية ببروشورات من التعليمات الحرفية التي تتقاطع على إملاءات الدور المطلوب مرحلياً. بين الهروب العربي من استحقاقات المرحلة والأدوار الفعلية وبين البحث الأميركي عن تجنيد جديد لأطراف وقوى بديلة عن تلك التي قالت أكثر مما فعلت، وأثبتت أنها مجرد ظاهرة صوتية فقدت بريقها، بين هذه وتلك تتدحرج المحاولة الأميركية وتتناغم مع مقتضيات الدور الجديد في المنطقة على وقع المتغيرات في أكثر من موقع.. لا نشك للحظة أن الاصطياد الأميركي لا يخلو من سذاجة سياسية واضحة وإن كانت في بعض تجلياتها تعبيراً عن إفلاس سياسي مزدوج وفي أكثر من موقع، كما أنه تعبير جديد عن الفشل في إعادة تجميع الخيوط التي أفلتت من اليد الأميركية، وفشلت في التقاطها من جديد. ولا نشك أيضاً بالقدر ذاته أن الجامعة العربية التي تتعثّر بخطواتها أمام إلحاح بعض أطرافها على الاستمرار في الضخ السياسي والإعلامي والبحث عن أدوار جديدة ترضى عنها واشنطن تواجه المآزق ذاتها، وفيما واشنطن حريصة كل الحرص على استنفاد آخر أوراقها، تبدو تلك الأطراف مهتمة بالبحث عن أدوار جديدة تناسب مقتضيات ومتطلبات الاستنفار الأميركي بصيغته الجديدة. على النقيض من ذلك نجد أن الغثيان السياسي لكثير من القوى والأطراف يدفع بالأمور نحو مفازات جديدة لا تؤسس لمرحلة جديدة فحسب، بل تريد أن تقفز فوق الحقائق، وتتجاهل كل ما يترتب عليها، لتمارس دورها الافتراضي خارج السياق العربي، وبعيداً عن مهامها ودورها - وحتى ميثاقها - في التقاطعات الجديدة. إن الرسم الأميركي لدور الجامعة وبعض أطرافها قد وصل إلى مرحلة التشطيبات النهائية حيث يلتقط الإشارات الجديدة لإعادة تدوير الزوايا المفرغة علّها تستطيع استيعاب الصدمة الناتجة عن الفشل في تحريك الأوراق كما كانت تُمني النفس بها.. فيما كان منتظراً أن نسمع رداً ايجابياً من الجامعة العربية على جدّية سورية في التعاطي مع الجهود العربية، وخصوصاً بعد رسالة السيد وزير الخارجية وليد المعلم، جاءت مواقف الأمين العام للجامعة العربية خارج المتوقع وبعيدة عن كل الأجواء المنتظرة، ويبدو أنه مشغول بمتابعة بعض الفضائيات، أكثر مما هو مهتم بالرد على الإيجابية السورية. وهذا الانشغال العربي ليس جديداً، ولا هو وليد اللحظة الراهنة، بل على الأغلب تحكمه منذ البداية أدوار منوطة به، سبق أن أفصحت عن نفسها في المواقف غير المسؤولة التي تبنّتها أكثر من مرة حيال مايجري في سورية، ودفعتها في أحيان كثيرة إلى الشطط السياسي وتنفيذ مهام خارج مسؤولياتها، وأبعد بكثير من صلاحياتها. والواضح أنه استدراج جديد للغة دأبت بعض الأطراف داخل الجامعة العربية على تعميمها، لتكون لسان حال الأمانة العامة للجامعة العربية في انحدار خطير بدأت نتائجه تتضح أكثر في المعطيات على الأرض، ولاسيما بعد أن تورطت تلك الأطراف في الاستجابة للإملاءات الأميركية، وتبحث عن ممرات لتنفيذ الأجندات الطارئة والمستجدة إثر الاستنفار الأميركي بمستوياته المختلفة. |
|