تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


غزة من الانسحاب إلى الحصار...استمرار الاحتلال بأشكال جديدة

دراسات
السبت 14/1/2006م
عبد الرحمن غنيم

حين أعلن شارون عن نيته الانسحاب من قطاع غزة وإخلاء مستوطنات القطاع, كان واضحاً أنه يمارس مناورة (محسوبة) متعددة الأهداف والمقاصد, يريد بها أن يضرب أكثر من عصفور بحجر واحد, ويمكن حصر (عصافيره) المستهدفة على النحو التالي:

1- تقديم عربون ثقة للرئيس الأميركي جورج بوش, الذي يحب أن يظهر أمام شعبه بمظهر النجاح, يكون بديلاً عملياً عن (خطة خارطة الطريق) التي كان قد تبناها بوش, وبذلك يجعل (الانسحاب) من قطاع غزة آخر انسحاب عملياً, بدعوى أن الخطوة التالية تقع على عاتق السلطة الفلسطينية.‏

2- إطلاق يد الجيش الصهيوني في ممارسة الإرهاب ضد أهالي قطاع غزة انطلاقاً من مواقع جديدة براً وجواً وبحراً.‏

3- تجريد المقاومة في القطاع من قدرتها على الانتقام رداً على الإرهاب الصهيوني من خلال إخلاء المستوطنات الواقعة في مرمى أسلحة المقاومة من المستوطنين.‏

4- بناء شكل جديد من الاحتلال للقطاع رغم (الانسحاب) الذي زاد من ممارسات الاحتلال الإرهابية بدلاً من إنهائها.‏

إن الفترة التي مرت منذ (الانسحاب) المزعوم في شهر آب الماضي وحتى الآن كشفت بشكل عملي خطة شارون, فلقد أصر أولاً على الاحتفاظ بسيطرة صهيونية على المعابر, وتجسيد هذه السيطرة بشكل أو بآخر, بما في ذلك معبر رفح.‏

وإذا كان تشغيل مطار غزة من جديد يشكل معبراً, فمن الواضح أن شارون يرفض إعادة تشغيله, ويصر على وضع قطاع غزة في حالة حصار.‏

ولقد تجلى الحصار الصهيوني لقطاع غزة بمختلف الأشكال, فعلى الحدود البرية شمالاً وشرقاً جرى تركيز الدبابات والمدفعية الصهيونية لتكون جاهزة لقصف أي مكان داخل قطاع غزة الواقع كلياً في مرمى هذه الأسلحة, قصفاً مدروساً أو عشوائياً, وتواصل القوات البحرية الصهيونية محاصرة قطاع غزة, وقد قتلت العديد من صيادي الأسماك لتؤكد حضورها المستمر في البحر واستعدادها الدائم للقتل, بحيث لم يعد الصيادون يأمنون على حياتهم, وأما خط النقل البحري على أي مستوى كان فهو مقطوع وممنوع, ويواصل الطيران الصهيوني السيطرة على أجواء قطاع غزة, مع قيامه بشن الكثير من الغارات النهارية والليلية على أهداف داخل القطاع.‏

وهكذا فإن (الانحسار) في انتشار القوات الصهيونية لم يعد (انسحاباً عملياً) بل فرض حالة (حصار), وحالة الحصار هذه لم تختلف في دلالتها العملية عن حالة الاحتلال, بل هي أسوأ, لأنها قلصت من حجم الأهداف الصهيونية التي يمكن للمقاومة الفلسطينية أن تستهدفها رداً على الاعتداءات الصهيونية المتكررة.‏

وخلال الأسابيع الأخيرة, طورت القوات الصهيونية سياستها العدوانية تجاه قطاع غزة من خلال الحديث عن اعتماد منطقة أمنية عازلة في شمال القطاع يحظر على أي إنسان فلسطيني التحرك فيها, وإلا تعرض للقتل من قبل القوات الصهيونية, وهو أنموذج للاحتلال يذكر بالمبررات التي سبق أن ساقها الصهاينة لإقامة منطقة أمنية عازلة في جنوب لبنان, وحاولوا من خلالها إبقاء احتلالهم للجنوب إلى أن اضطروا للانسحاب منه تحت ضربات المقاومة اللبنانية.‏

ومن يراقب الوضع في قطاع غزة, يستطيع أن يستنتج أن أسلوب المنطقة الأمنية العازلة وإن اعتمد رسمياً من قبل حكومة شارون وأعلن عنه على أنه يتعلق بمنطقة في شمال القطاع, إلا أن الصهاينة قتلوا خلال الأسابيع الأخيرة العديد من الفلاحين الفلسطينيين الذين كانوا يحاولون مباشرة العمل في مزارعهم قرب الحدود الشرقية لقطاع غزة في مواقع متعددة, ما يعني أن الصهاينة يسعون إلى فرض منطق المنطقة الأمنية العازلة على امتداد حدود قطاع غزة, وإذا عرفنا مساحة القطاع وحجم السكان فيه وضيق المساحات المتاحة للزراعة, نستطيع أن نقدر مدى الضرر الاقتصادي الذي يمكن أن ينجم عن هذه الممارسات الصهيونية ضد الأهالي.‏

وإضافة إلى ما سبق, يلاحظ أن العدو راح خلال الفترة الأخيرة يتعمد قصف طرق المواصلات بصواريخ وقنابل تسبب إحداث حفر واسعة من شأنها أن تعرقل طرق المواصلات, ما يعني محاولة دعم الحصار المحيط بأشكال من الحصار في الداخل, وبذلك يكون قطاع غزة مسرحاً للاعتداءات بكل الأسلحة, من كل الاتجاهات.‏

وأمام هذا المشهد, نستطيع أن نستنتج لماذا سحب شارون قطعان المستوطنين, فقد فعل ذلك ليكون بوسعه ممارسة هذه السياسة الإرهابية الشاملة ضد أهالي قطاع غزة دون أن يعرض المستوطنين أو حتى مواقع قواته المتناثرة داخل القطاع لعمليات الانتقام, ففي الوضع الجديد بات بوسعه أن يمارس عدوانه الدموي المتكرر براً وبحراً وجواً مع وجود فرص محدودة أمام المقاومة داخل القطاع للرد على اعتداءاته.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية