تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ثورات برتقالية وحروب غاز!

لوفيغارو
دراسات
السبت 14/1/2006م
مها محمد

عام مضى على الثورة البرتقالية التي أوقعت اوكرانيا في شباك البلدان الغربية وبالنسبة لروسيا فتعتبر انتكاسة لسياستها ومصالحها منذ انهيار الاتحاد السوفييتي.

الهجوم المعاكس الذي تشنه موسكو حالياً يدل على أن الكرملين, يحاول إعادة بسط نفوذه على البلد الحيوي والمهم بالنسبة لروسيا, فأوكرانيا ليست كأي جار من البلدان المجاورة والغرب مدرك تماماً للرهان إذ إنه لولا دعم الولايات المتحدة والدول الأوروبية لما كان للثورة البرتقالية في أوكرانيا أن تنجح.‏

وكان النموذج الأوكراني -وعلى مدى أشهر- قد أثار حمية المعارضين في العديد من البلدان التي كانت تدور في فلك الاتحاد السوفيتيي بدءاً من بيلاروسيا وحتى اوزبكستان في آسيا الوسطى مروراً باذربيجان في القوقاز.‏

لكن هذا النموذج من الانتصار هو دون شك أحد أسباب وبواعث القلق في الكرملين وقد بذل الرئيس بوتين جهوداً على مدى عام واستطاع أن يعكس اتجاه الرياح وأن يستعيد ولو من بعيد سيطرة (الغريب القريب).‏

في اوزبكستان التي تبدو الدومينو القادم المهيأ للوقوع في شرك الغرب تم سحق التمرد في انديجان في أيار الماضي وذلك قبل المطالبة باغلاق القاعدة العسكرية التي أقامتها الولايات المتحدة في تلك البلاد قبيل حربها على افغانستان.‏

وفي اذربيجان لم تستطع المعارضة تحقيق الفوز في انتخابات تشرين الثاني في الوقت الذي فقدت فيه الثورة الوردية ألقها في جورجيا خلال الأشهر الماضية, أما في بيلاروسيا فإن الكسندر لوكا شينكو قرر البقاء في السلطة لما بعد انتخابات 2006 ويبقى مصير اوكرانيا في الميزان إلى أن يتم الفصل فيه مع الانتخابات النيابية في السادس والعشرين من آذار القادم.‏

ومن أجل تطويق الأزمة التي تلت انتخابات كانون الأول 2004 فإن على الرئيس يوتشينكو القبول بمراجعة الدستور الذي يدعم السلطات البرلمانية التي ستفرزها صناديق الاقتراع في الربيع وفي هذه الاثناء لن يدخر الكرملين أي جهد في السعي لإعادة كييف إلى الصف.‏

ولأسباب تاريخية (كما هي جغرافية) منها أن أوكرانيا منفذ للأسطول الروسي على البحار الدافئة -لن تستطيع روسيا ضمان سلامة أراضيها كما أنها ستبقى قوة محلية مالم تقدر على إبقاء اوكرانيا في إطار الفلك الروسي.‏

وهذا التحليل هو الذي دفع المحافظين الجدد في واشنطن إلى دعم واستثمار (الثورة البرتقالية), وضمن هذا السياق فإن حرب الغاز التي اطلقتها موسكو ضد اوكرانيا اتخذت أبعاداً ودلالات مهمة, فإعادة أسعار الطاقة إلى مستوى سعر السوق شيء جيد بل يجعل الاقتصاد الاوكراني يتكيف مع شروط التنافس الدولي برفع سعر الغاز المصدر إلى اوكرانيا إلى أربعة أضعاف اعتباراً من أول كانون الثاني.‏

كما أنه سيكون لروسيا مساعيها للتأثير في الانتخابات القادمة وافهام الناخبين أن مصالحهم باتت رهناً لحكومتهم الموالية للغرب.‏

إن هذا التحرك يهدف إيضاً إلى هدم ركن مهم بين كييف والاتحاد الأوروبي على أن اوكرانيا هي الطريق الرئيسي لتمويل أوروبا بالغاز الروسي الذي يؤمن ربع حاجة أوروبا وأي خلل في هذا التمويل سيكون له تأثير سلبي على الاقتصاد الأوروبي, فهناك ما يسمونه ب (أمن الطاقة) والمهم جداً بالنسبة لأوروبا.‏

إن قدر اوكرانيا وروسيا أن يكونا مرتبطين بعلاقات وثيقة لذا تقوم قيادة الكرملين بالضغط على الجانب الاوكراني للرجوع إلى أحضان الروس في الوقت الذي تنوي كييف اللجوء إلى واشنطن والتسليم لها.‏

ومع التوصل أخيراً إلى اتفاق حول أسعار الغاز وحل الأزمة فقد أعلن الاتحاد الأوروبي أنه تلقن درساً ويجب عليه أن يبدأ البحث عن مصادر أخرى للطاقة.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية