|
دراسات ومع هذه التوجهات اللاتينية تفقد أميركا قدرتها على التوفيق بين مناداتها بالديمقراطية واقتصاد السوق الحر, والواقع البائس للشعوب التي فرضت عليها توجهات العولمة الأميركية. حتى (الثورات المخملية) و(البرتقالية) و(المتعددة) الألوان المحتمية بظلال العولمة الأميركية تفقد مشروعية استمرارها, لتناقض طروحاتها الفكرية والفلسفية مع حقائق الواقع الفعلي الذي أفرزته هذه الثورات. فجميع من اختار وصفات المؤسسات المالية والاقتصادية التابعة والمرتبطة عضوياً بالاحتكارات الأميركية وبالشركات المتعددة الجنسيات, أخذ يعاني من أمراض النمو المفتعل لاقتصاديات هذه البلدان الوطنية, أبرزها تفاقم الديون الخارجية, غياب المساواة الاقتصادية والاجتماعية, ارتفاع حاد للبطالة, توتر الحياة الاجتماعية. فالارجنتين على سبيل المثال غير قادرة اليوم على تسديد ديونها والفوائد المترتبة على هذه الديون حتى لو باعت جميع ثرواتها وممتلكاتها في الأسواق الحرة. ولنا في لبنان مثال حي على ذلك, فنتيجة للنهج الليبرالي الاقتصادي الحر ترتب عليه أكثر من 38 مليار دولار ديون خارجية مرهقة. والضغوط الأميركية والتدخل الفج بالشؤون الداخلية للبلدان الأخرى, انتجت فعلاً عكسياً لما سعت إلى تحقيقه أميركا من وراء هذا التدخل, وتبين أن الديمقراطية المستوردة والنهب الأميركي لثروات شعوب أميركا اللاتينية, أفرزت نمطاً مختلفاً من الرجال الوطنيين الذين رفضوا الوصاية الأميركية, والذين قادوا شعوبهم من تحت أكوام العبودية والقهر والفقر إلى موقع المواجهة المباشرة مع الهيمنة الأميركية. فالشعب الفنزويلي حمل رئيسه هوغو تشافيز إلى السلطة في انتخابات ديمقراطية عام ,1998 وفي الارجنتين حقق اليساري اونستو كيرتشيز انتصاراً كبيراً أوصله إلى الموقع الرئاسي عبر الانتخابات الرئاسية. وفي البرازيل انتصر انياسيولولادي سيلفا رغم التهديدات الأميركية للبرازيل في فرض الحصار الاقتصادي عليها في حال فوزه بالانتخابات الرئاسية. وتاباري فاسكيز المعادي لأميركا فاز في الأورغواي, وجاء فوز ايفوموراليس ليصبح رئيساً لبوليفيا, ليحول ثلاثة أرباع سكان أميركا اللاتينة أي نحو 300 مليون نسمة من بين 365 مليوناً, ليعيشوا خارج الوصاية والطاعة الأميركية. ومما يؤرق أحلام واشنطن في هذه القارة الملتهبة أن التوقعات تشير إلى أن الانتخابات القادمة في نيكارغوا قد تأتي بالزعيم مانويل أورتيغا ومجموعته الساندينية التي أسقطت عام 1990 بانتخابات مزيفة, وبحرب شنتها ضده عصابات الكونترا الممولة والمدعومة من قبل واشنطن. وفي المكسيك سيترشح لمنصب الرئاسة مانويل أوبرادور عمدة مدينة مكسيكو العاصمة المعروف بمناهضته للوصاية والضغوط الأميركية والرافض لوصفات البنك الدولي ولاتفاقيات التجارة الحرة. وأظهرت استطلاعات الرأي بأن قادة الحركات اليسارية يتقدمون الصفوف الأولى في البيرو والاكوادور لانتخابات الرئاسة القادمة. وثمة توقعات تشير إلى أن السيدة ميشيل باشيليت ستفوز بالانتخابات القادمة في تشيلي وهي ابنة الضابط اليساري في القوات الجوية التشيلية الذي قتله رجال الديكتاتور بينوشيه ومعروف عنها مناهضتها لوصفات البنك الدولي والاستبداد الديكتاتوري وللنفوذ الأميركي في القارة اللاتينية. ففوز موراليس البوليفي عمق في انهيار مؤيدي واشنطن وكان فشل قمة التجارة الحرة في أميركا اللاتينية ضربة قاسية للسياسة الأميركية في هذه القارة التي نظر إليها دائماً بأنها المزرعة الخلفية للولايات المتحدة. وبطبيعة الحال يدرك زعماء أميركا اللاتينية أن خصومة الولايات المتحدة لها ثمن باهظ, ولكنه ثمن لا يساوي ثمن الحرية لمدن الصفيح الأميركية اللاتينية, حتى لو كانت أميركا على استعداد لاستخدام العنف والقوة العسكرية لحماية الأنظمة الموالية لها ولو كانت مكروهة من شعوبها. وربما أدركت أميركا أنه من الأسهل لها أن تجد الذرائع ولو كانت مزيفة داخلياً وخارجياً للدوس على الديمقراطية واستخدام القوة لفرض هيمنتها عوضاً عن اتباع الأسلوب الديمقراطي الذي لم يحم مصالحها. وحالة أميركا في الشرق الأوسط ليست على ما يرام, فأعوانها وعملاؤها أصحاب الياقات البيضاء والملونة يفقدون المصداقية أمام شعوبهم ولو استطاعوا خداعها إلى حين. فحلم الشعوب بالحرية بدأ يتحقق ولم يشرف على نهايته كما تعتقد أميركا, والحرية يشع بريقها للتخلص من الوصاية ومسار الطاعة للولايات المتحدة الأميركية. فشعوب أميركا اللاتينية تعيد مكانة خوسيه مادتيه محرر القارة من الاستعمار الاسباني أعوام العشرينات من القرن التاسع عشر إلى واجهة الأحداث المثيرة التي تشهدها القارة اللاتينية. |
|