تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


من ينقذ أميركا?!

شؤون سياسية
الأحد 18/5/2008
د. حيدر حيدر

لا تلوح في الأفق المنظور نتائج منتظرة لحسم السباق إلى ترشيح الحزب الديمقراطي لأحد المرشحين لمعركة الرئاسة الأميركية.

فكل من هيلاري كلينتون وباراك أوباما مازال يأمل بالفوز, وقد زادت النتيجة الأخيرة لكل من ولايتي انديانا وكارولينا الشمالية, حيث تقاسم المرشحان »الفوز« من الانقسام والتهويش في الحزب الديمقراطي. ويبدو أن هذا الخلاف يسهل مهمة المرشح الجمهوري جون ماكين للاستعداد للانتخابات, في الوقت الذي ينفق الديمقراطيان كلينتون وأوباما الأموال الطائلة على حملتيهما المحتدمتين.‏

ويعكس الاهتمام العالمي الواسع بالانتخابات الرئاسية الأميركية الحالية توق الرأي العام العالمي لرؤية تغيير جوهري في السياسة الأميركية الحالية التي تقودها إدارة الرئيس الحالي جورج بوش.‏

فهذه الإدارة مكروهة في العالم من جراء تصرفاتها الرعناء ابتداء من شن الحروب الظالمة وانتهاء بتهديدها بشن حروب جديدة مروراً بسلوكها الشائن تجاه قضايا العالم الملحة مثل تلوث البيئة وأزمة الغذاء العالمية, وطموحاتها اللامشروعة للسيطرة على العالم, والتي تلقى معارضة متزايدة من دول كثيرة مثل روسيا والصين وغيرهما, فالإدارة الحالية ورغم انفاقها مئات مليارات الدولارات على التسلح والحروب لم تتمكن من تطويع العالم لايديولوجيتها »الداعية للصراع بين الحضارات والأديان« من أجل فرض سيطرتها المقيتة ونهب ثروات الشعوب, وهي تستخدم وسائل غير شرعية مستخدمة أذرعها الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية ولسحق من يعارض توجهاتها البشعة وممارساتها المروعة.‏

والمراقب للحملة الانتخابية الرئاسية الحالية في الولايات المتحدة يلحظ عن كثب ضخامة الموارد المالية الموظفة فيها, كما يلحظ كثافة المشاركة, ولا يخفى عليه أيضاً التنوع الواسع في استخدام الإعلام وأدواته المتعددة وبكثافة, كما لا يمكن التغاضي عن وجود مرشح شاب من أصول افريقية يخوض هذا السباق إلى جانب سيدة معروفة, يقابلهما مرشح جمهوري لا يخفي توجهاته بمواصلة سياسة الحروب التي ينتهجها بوش, وقد جند كل منهم مستشارين مرموقين وأكاديميين وإعلاميين, وهم يصرفون بسخاء على حملاتهم الانتخابية متخطين موازنات الحملات السابقة.‏

ويبقى العامل الرئيسي برأينا للاهتمام العالمي بالانتخابات الرئاسية الأمريكية الحالية ينصب على اتجاهات الرئيس القادم إلى البيت الأبيض, هل سيتابع نهج بوش التدميري بامتياز والذي جر الويلات عسكرياً واقتصادياً وسياسياً على بلاده والعالم?!‏

فمنذ تفكك الاتحاد السوفييتي وصعود أمريكا كقوة وحيد ة في العالم, وبعد أحداث الحادي عشر من أيلول, وخطف القرار الأمريكي من قبل زمرة المحافظين الجدد بايديولوجيتها المتطرفة وسطوتها وارتباطها الوثيق بالشركات العملاقة /أسلحة - نفط/ ومن يرتبط بها من اللوبيات والمافيات وعلى رأسها اللوبي الصهيوني.‏

نقول منذ ذلك الوقت, يشهد العالم اضطرابات لا مثيل لها أخَّلت وتخلُّ بالتوازن العالمي الضروري لتقدم البشرية وحل مشكلاتها المستعصية بدءاً من الفقر والجوع وتلوث البيئة وانتهاء بحل الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بالعالم اليوم.‏

ويبدو واضحاً أن المستقبل يشي بصعود قوى عالمية جديدة إلى القمة ستشارك,في الحد الأدنى, الولايات المتحدة في قيادة العالم, إن لم نقل ستحل محلها, اقتصادياً على الأقل, وهو أمر يؤرق النخب الاقتصادية والسياسية الأمريكية.‏

فالرئيس المقبل تقع عليه مسؤوليات جسام في حسم موضوع الحروب العبثية والبدء بمراجعة عقلانية لمستقبل الاستراتيجية الأمريكية, وبالتالي مستقبل أمريكا ذاتها, هل ستبقى متفردة في مكانها أم أنها ستقبل بوجود شركاء إلى جانبها مثل الصين وروسيا والاتحاد الأوروبي.. الخ. أم أنها ستتراجع في حال الإصرار على السياسات الحالية الرعناء, والتي تؤدي إلى احتدام الصراع العالمي وتأجيج سباق جديد للتسلح لن يكون في مصلحة أحد بالتأكيد.‏

إن رؤية الرئيس القادم عن كيفية حسم هذه المسألة الحساسة هي ما يهم دولاً مثل الصين وروسيا, كما أن رؤيته تجاه الحروب الأمريكية الحالية وجدواها, حيث برهنت الأحداث تفاهة نتائجها بالنسبة لأميركا, فهي لم تحقق الاستقرار والازدهار, بل زادت في الكراهية الشعبية في العالم أجمع لواشنطن وساهمت في تدهور الاقتصاد الأمريكي ليصل إلى مرحلة الركود.‏

إن القوة الغاشمة التي تؤيدها زمرة اليمين الأميركي المتطرف مدعومة بالاحتكارات وشركات الأسلحة والنفط وجماعة الضغط اليهودية لم تتمكن من تحقيق إنجازات. يعتد بها سواء في الشرق الأوسط أو آسيا.‏

وبالتالي فإن الرئيس القادم سواء أكان ديمقراطياً أم جمهورياً لن يستطيع التغاضي عن هذه المسائل وغيرها, وحتى على الصعيد المحلي, فالأمور ليست بخير, والاقتصاد الأمريكي يشهد ركوداً من جراء سياسات إدارة بوش السيئة, إن ما يطرحه المرشحون الثلاثة من برامج حالياً ينبغي أن يحظى في نهاية المطاف برضا النخب الأمريكية وجماعات الضغط, لدى تسلم أحد المرشحين الرئاسة, فهل سيتمكن الرئيس القادم من تغيير أمريكا من الداخل?! وهل سينجح في تغيير سمعتها في الخارج?!‏

أشهر قليلة بقيت لإدارة بوش في السلطة, لتفسح المجال للقادم الجديد إلى البيت الأبيض ليحاول إنقاذ أمريكا وانتشالها من الأزمة التي وضعتها فيها زمرة المحافظين الجدد.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية