تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


دستور أميركا علماني.. فكيف يدافع بوش عن يهودية إسرائيل؟

شؤون سياسية
الأحد 18/5/2008
توفيق المديني

الحقيقة أن الولايات المتحدة ليست دولة لا سامية ولاهي دولة خاضعة للنفوذ اليهودي.

ونجاح المشروع الصهيوني في خلق آلة عسكرية ضخمة, تهيمن على منطقة الشرق الأوسط, هو رغبة استعمارية بالأساس, وليست رغبة يهودية. ولكن بما أن المادة البشرية الوحيدة الصالحة للاستعمال هي المادة البشرية اليهودية, ولاسيما ذلك الجزء منها المقيم في أوروبا الشرقية, فقد توجب على بريطانيا أولاً وعلى الولايات المتحدة من بعدها, أن تتخذا هذه السياسة المتناقضة في ظاهرها والمنسجمة والمتماسكة في حقيقتها, وهي سياسة إقفال الأبواب في وجه المهاجرين اليهود القادمين من شرق أوروبا, وإعلان تأييدهما لإقامة الدولة اليهودية. ويترافق ذلك كله مع ترويج الكتب المعادية للسامية, ضمن الحدود التي تخدم رغبة هاتين الدولتين الاستعماريتين في الهيمنة على المنطقة العربية, مع انعدام السماح للأفكار اللاسامية أو لمعاداة اليهود في تهديد المواطنين اليهود في كلا البلدين.‏

هذا من حيث التاريخ, أما في الوقت الحاضر,فإن الرئيس جورج بوش الذي يبحث عن تحسين صورة مرفوضة داخلياً ومشوهة خارجياً, بحث في ملفات الأب القديمة, ووجد ضالته في الصراع العربي - الصهيوني ليلعب مجدداً على أوتاره علها تعزف لحن السلام. فبوش الابن انحاز بامتياز إلى جانب إسرائيل على حساب الحقوق العربية على مدى القسم الأكبر من ولايتين رئاسيتين. وتعتبر الإدارة الأميركية الحالية من أكثر الإدارات منذ نشأة الولايات المتحدة التي تفضل المصلحة الإسرائيلية على المصلحة الأميركية, وهذا ماسجلته دراسة هارفارد الشهيرة الصادرة في آذار 2006 وهو ما لايمكن المجادلة فيه.‏

وفضلاً عن ذلك, فإن الرئيس بوش لايمكن أن يعلن عن أي شيء يتعلق بالمنطقة بلا تنسيق مع إسرائيل, و لايمكن أن يتخذ مواقف تتعارض مع المواقف الإسرائيلية. وكان الرئيس بوش أطلق مبادرة في 24 حزيران ,2002 ترتكز إلى إقامة دولتين, »فلسطين وإسرائيل« تعيشان جنباً إلى جنب بسلام, ولكن بوش في المقابل أول زعيم دولة كبرى ذات دستور علماني يعتبر إسرائيل دولة يهودية, أي قائمة على أساس الدين, وتعتبر أن حدودها هي الحدود التوراتية, وأن سكانها يجب أن يكونوا جميعاً من اليهود. وفضلاً عن ذلك, فإن سياسته اللاحقة تخلت عملياً عن خارطة الطريق التي كانت من المفترض أن تعيد الفلسطينيين وإسرائيل إلى طاولة المفاوضات, وأصبحت مؤيدة بالمطلق لشارون ومن بعده أولمرت.‏

إن الرئيس بوش الذي ردّد مراراً رؤية الدولتين في المنطقة واستصدر لذلك قراراً من مجلس الأمن بهذه الرؤية لم يفِ بأي وعد, وإنه وظف هذه الرؤية للتغطية على الدعم الأعمى لإسرائيل ومساعدتها على إبادة الفلسطينيين, ولذلك فإن حديثه عن الدولة الفلسطينية, الذي يتفق في الإخراج المسرحي مع الموقف الإسرائيلي, ليس إلا من قبيل الاستمرار في دغدغة مشاعر شعب مدرك بحاسته أنه يسير نحو الهاوية, وأن مجرد بقائه على قيد الحياة ليس مضموناً ناهيك عن أن يكون هذا البقاء في حدود دولة خاصة به.‏

الحكومة الإسرائيلية جندت كل الأقلام من أجل الدفاع عن فكرة » دولة اليهود «. وكتب المستشار السابق لشارون دوف فايسغلاس مقالة في صحيفة » يديعوت أحرونوت « يذكر فيها أن الرئيس جورج بوش كتب إلى شارون في نيسان 2004 يقول فيها: » واضح أن حلاً مناسباً لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين سيتوافر من خلال إقامة دولة فلسطينية وتوطين اللاجئين في داخلها وليس في دولة إسرائيل «.‏

ويزعم هذا المستشار أن القبول بقرار حق العودة معناه إحداث خلل في الميزان الديمغرافي بحيث يصبح اليهود أقلية في دولة تضيع طبيعتها اليهودية. وعندما وافق الرئيس بوش على حق المحافظة على الطبيعة اليهودية ل »إسرائيل«, كان يرفض قرار حق العودة للاجئين الفلسطينيين.‏

وفي مقالة أخرى كتبها عاموس غلبوع في » معاريف «, حرص على التذكير أن الرئيس الأميركي أشار في مؤتمر العقبة (2003) إلى طبيعة الدولة » الإسرائيلية «, وقال في كلمته إنه يأمل » وجود دولة فلسطينية ديمقراطية, تعيش باستقرار إلى جانب دولة يهودية آمنة « كذلك أكد الرئيس الفرنسي ساركوزي في أثناء استقباله الوزيرة ليفني: » إن دولة إسرائيل هي دولة قومية للشعب اليهودي «.‏

لقد طرح الرئيس بوش رؤيته حول الدولتين, في ذروة تحالفه المطلق مع رئيس الوزراء الصهيوني السابق آرييل شارون, الذي كان يخوض حرب إبادة حقيقية ضد الشعب الفلسطيني, وفي وقت كان في أمسّ الحاجة لدغدغة المشاعر العربية حول دولة فلسطينية مؤقتة,بهدف إغواء العالم العربي, وهو يستعد لغزو العراق في بداية سنة ,2003 بتوصيف غزو العراق هذا, والقضاء عليه كقوة عربية رئيسة على الأقل محسوبة على مجمل القوة العربية تقريباً, مثل أكبر نصر استراتيجي للهيمنة الإسرائيلية في المنطقة, وسبق أن تعهد الرئيس بوش, أن يتم الإعلان عن الدولة الفلسطينية في بداية عام ,2005 أي في نهاية ولايته الأولى, غير أنه لم يلتزم بتنفيذ تعهده, وفاجأ الجميع بعد فوزه في انتخابات الإعادة بتأجيل الإعلان عن هذه الدولة إلى العام ,2009 أي بعد انتهاء ولايته الثانية وخروجه من البيت الأبيض!!‏

وكان الرئيس بوش سلم شارون في واشنطن يوم 14 نيسان 2004 وثيقة الضمانات الشهيرة التي نقلت الموقف الأميركي من القضية نقلة نهائية لمصلحة إسرائيل استخفافاً بكل قواعد التسوية الوهمية في نطاق مايسمى بالشرعية الدولية. وهي الوثيقة التي عبرت عنها صحيفة الواشنطن بوست برسم ساخر يوم 15 نيسان 2004 أنها صك التوقيع على بياض الذي سلمه الحمار (بوش) إلى الخنزير (شارون)..ووفقاً لهذا الرسم المعبّر تقول الوثيقة باختصار إن ماتقوم به إسرائيل على الأرض هو الذي يرسم خطوط التسوية على عكس الصيغة السابقة القائلة إن الأمر الواقع لايغير قواعد التسوية السياسية والقانونية.‏

في استفتاء نظمه » مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائىلي «, أظهر أن 63 في المئة من السكان يؤيدون حل » الدولتان لشعبين «. واستغلت حكومة أولمرت هذه النتيجة لتعلن أن الكلمة المركزية في هذه الصيغة هي كلمة » لشعبين «. ثم طالبت الفلسطينيين بضرورة الاعتراف ب »إسرائيل« دولة خاصة بالشعب اليهودي, واتبع أولمرت هذه الحملة بخطاب حدد فيه رؤياه لنتائج » مؤتمر أنابوليس «, فقال: » هدفنا التوصل إلى تحقيق رؤية الدولتين..دولة الشعب اليهودي, إسرائيل..ودولة الشعب الفلسطيني, فلسطين«.‏

ويعترف الباحث الإسرائيلي يهودا مائير أن صيغة » دولتان لشعبين « تلغي تلقائياً حق عودة اللاجئين, لكونها تحدد هوية السكان وانتماءهم الديني - العنصري. ومثل هذا التعريف لا يلغي حق العودة لأكثر من خمسة ملايين فلسطيني فقط, وإنما يعطي »إسرائيل« حق النقاء العنصري, بل حق طرد مليون ونصف المليون فلسطيني يعيشون داخل »إسرائيل«. ولهذه الغاية أمر شارون ببناء جدار الفصل كخطوة أولى لإخراج العنصر العربي وتحويل »دولة اليهود« إلى غيتو كبير.‏

* كاتب تونسي‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية