|
دراسات واتفاقات التسوية العربية ( من كامب ديفيد 1978- حتى أوسلو 1993 - مرورا بوادي عربة وغيرها) خيار التسوية والحلول المنفردة ترك بصماته المرة والمدمرة على قضية ( اللاجئين) والتي تمثل الأساس الاستراتيجي للنضال الوطني الفلسطيني, حيث تخلت تلك الاتفاقات, عمليا عنها واستبدلت العمل من أجلها بالصياغات النظرية المنمقة التي لا تساوي في قيمتها ثمن الحبر الذي كتبت به, وهو الأمر الذي دفع العدو الصهيوني إلى إسقاط حق العودة الفلسطيني في كافة تعاملاته واتفاقياته مع السلطة الفلسطينية وضمن ذلك مواثقه, ولقد سارعت مراكز الأبحاث الإسرائيلية التابعة لأجهزة المخابرات ولصانع القرار هناك إلى تقديم مخططات تسقط هذا الحق, ولنتأمل على سبيل المثال تلك الدراسة المهمة والخطيرة التي قدمها مركز جافي للدراسات الاستراتيجية في جامعة تل ابيب عام 1994 وكانت تحمل عنوان (مشكلة اللاجئين الفلسطينيين, قضايا الحل الدائم : إسرائيل- الفلسطينيون) بقلم شلومو غازيت أحد كبار رجال الموساد. عمدت هذه الدراسة إلى نسف الأساس الذي أرسته الشرعية الدولية بشأن اللاجئين الفلسطينيين في القرار الدولي الشهير رقم 194 الذي ينص على حقهم في التعويض والعودة. التعويض عما خسروه من ممتلكاتهم والعودة إلى بيوتهم في وطنهم فلسطين. فأعلنت الدراسة أن هذا القرار بات متقادماً وغير قابل للتطبيق في صيغته القائمة, ثم لجأت إلى تفريغ مصطلح اللاجئ من مضمونه بتقديم تعريف خاص له, تستطيع من خلاله تقليص عدد اللاجئين الذين تتعامل معهم وكالة الغوث إلى حوالي النصف, فاللاجئ وفقاً لهذه الدراسة هو شخص كان يقيم فيما أسمته الدراسة زوراً ب(أرض إسرائيل) خلال فترة لا تقل عن عامين قبل 1948, ولجأ إلى إحدى الدول التي فيها جهاز تابع لوكالة الغوث وتشغيل اللاجئين يقدم معونة, فتم تسجيله, ويجب فضلاً عن كونه مسجلاً في سجلات الوكالة أن يقيم في المنطقة التي تعمل فيها ويجب أن يكون في ضائقة, وترى الدراسة بعد هذه الاعتداء على حق يقره القانون الدولي, أن على الأطراف توفير حل لقضية هؤلاء اللاجئين حيث هم, أما نازحو عام 1967 من شعب فلسطين العربي, فإن رجل الموساد معد هذه الدراسة (غازيت) يقدم تعريفاً غريباً وشاذاً لهم حيث يرى أنهم )أبناء الضفة والقطاع من غير لاجئي 1948 الذين لم يتمكنوا من العودة إلى بيوتهم بعد حرب 1967(. ويسقط هذا التعريف كما نرى جميع من نزح من اللاجئين عام 1967 من الضفة والقطاع حين أخرجهم العدو الصهيوني بالقوة من المخيمات التي لجؤوا إليها, ويرى غازيت أن النازحين من أبناء الضفة والقطاع يمكن أن تعود أعداداً قليلة منهم على دفعات بينها فواصل زمنية, كي تكون السلطة الفلسطينية قادرة على استيعابهم, ونشترط على هؤلاء ألا يثيروا مسألة استعادتهم أملاكهم التي صادرتها سلطات الاحتلال بذريعة تطبيق قانون املاك الغائبين, لأن ذلك يمس مسألة الاستيطان ومصلحة المستوطنين كما يزعم غازيت, كما يحذر من خطورة عودة عناصر قد تسهم في إثارة شغب في الضفة ويقترح غازيت بوقاحة عنصرية شاذة بضرورة منعهم من السكن قرب خط حرب 1967 (الخط الأخضر) حتى لا يتحول تجمعهم السكاني إلى مصدر خطر أمني على (إسرائيل) وكأنه بذلك يسبق فكرة جدار الفصل العنصري الذي أقيم بعد هذه الدراسة بعشر سنوات!! إن هذه الدراسة المخابراتية سرعان ما تأسست عليها لاحقاً كافة الرؤى والمخططات التي قدمها حزبا العمل والليكود, القضية فلسطينيي الشتات للسلطة الفلسطينية أو للقوى الإقليمية والدولية التي دخلت على خط التسوية وربما يكون هذا الطرح الصهيوني ليس جديداً وهو يتسق مع طبيعة هذا الكيان العدواني الغاصب ولكن الجديد و المؤلم هو أن تتبنى منظمة التحرير عبر (السلطة الفلسطينية) هذا الطرح أو على الأقل تتعامل معه في الخفاء وكأنه هو قمة المراد وأقصى المستطاع, الأمر الذي دفع أطرافاً أخرى إلى العمل على إنهاء قضية اللاجئين عبر سيناريو التوطين, فقبل سنوات على سبيل المثال تردد خلال مؤتمر المشرفين على شؤون اللاجئين الفلسطينيين, الذي عقد في مقر جامعة الدول العربية في القاهرة, تفاصيل لمخطط أميركي لتوزيع أكثر من ستة ملايين فلسطيني, معظمهم لاجئون على عدد من دول الشرق الأوسط, وأوروبا, والولايات المتحدة, وذلك استباقاً لمناقشة وضع اللاجئين في مفاوضات الحل النهائي بين السلطة الفلسطينية و(إسرائيل), ويشير التقرير المتعلق بالمخطط الأميركي الجديد أن حوالي 5 ملايين و357 ألف فلسطيني في العالم من أصل 6 ملايين و 752 ألفاً سيجري توزيعهم على دول المنطقة وبعض الدول الغربية كحل نهائي للصراع العربي -الإسرائيلي. إن حق العودة للفلسطينيين لهو حق مقدس, لايسقط بالتقادم, ونحسب أنه اليوم يقع في نفس المربع المقدس الذي تدخل فيه القضايا (القدس - السيادة - المستوطنات), بحيث لا يمكن ولايجوز قيام الدولة الفلسطينية حتى كما يطرحها فريق أوسلو منذ 1993 وحتى اليوم (2008) بدونهم, ونظن وليس كل الظن إثم أن حق العودة هو الأهم والأبرز بين أركان ذلك المربع, فبدونه لافلسطين ...ولاقضية ولا أمن ولا سلام, لأنه لا عدل هناك, والتاريخ وتجاربه يحدثانا أنه إذا لم يتحقق سلام في تاريخ البشرية بين متحاربين من غير عدل, فإنه سلام زائف, لاقوام له, ولابقاء, وعليه فإنه مع وجود 6 ملايين مظلوم ومضطهد من أبناء فلسطين وبلا أي ضوء في نهاية نفق الاحتلال والهيمنة المظلم, وبدون عدل حقيقي, يعيدهم إلى وطنهم فإنه لاسلام ولاأمن ولا استقرار في المنطقة بل وفي العالم. إن مؤتمرات (حق العودة) التي تعقد اليوم, في أرجاء عدة من عالمنا المعاصر, وبخاصة ذلك الذي سيعقد في دمشق العروبة (23-24/11/2008) نحسبها, رغماً عن أي ملاحظات نقدية قد تساق عليها دليل صحة وعافية لهذه الأمة التي لن تنسى فلسطين ولم تنس أن حق العودة هو جوهر قضيتها ومحورها, فقط نتمنى أن تخرج هذه المؤتمرات, بأجندة عمل, لا بأجندة كلام, أجندة توصلنا, وتوصل 6 ملايين لاجىء فلسطيني إلى الطريق الصحيح لفلسطين, طريق العودة الذي نحسبه لن يعبد إلا بالمقاومة وليس بالكلام وحده. * كاتب ومحلل سياسي مصري |
|