تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


اللوم والنقد يؤديان إلى العجز الدراسي

مجتمع
الأحد 23 تشرين الثاني 2008 م
منال السماك

لا أظن أن الآباء والأمهات, يرضون للأبناء الفشل, فهم حتماً يتمنون لهم النجاح والتميز, ولكنهم أحياناً يخطئون في اختيار الأسلوب الأمثل لحضهم على الدراسة,

غير مدركين لمدى الضغوط النفسية التي يعرضونهم لها, جراء مطالبتهم بالتفوق الذي يتجاوز في بعض الأحيان قدراتهم, فيستخفون بالنتائج التي يحققونها, عوضاً عن الثناء والتشجيع, لأنها ليست بمستوى طموحاتهم, ويكثرون من عبارات اللوم والتوبيخ التي تأتي غالباً بنتائج سلبية عكس ما يصبو إليه الأهل, إضافة إلى المعلمين الذين لا يتوانون بدورهم عن تقريع ونقد الطلاب ذوي المستوى المتدني دراسياً قياساً لأقرانهم, ما يؤدي بهؤلاء إلى الشعور بعدم جدوى ما يبذلونه من جهة, وبالتالي يقودهم إلى التراجع والعجز الدراسي, رغم امتلاك قدرات تعليمية لا بأس بها.‏

فما مدى تأثير استخدام هذا الأسلوب على الطالب وتحصيله الدراسي? وبين النقد واللوم المتكررين, وبين المديح المطلق, أيهما أكثر جدوى لتحفيز الطالب?‏

انتقاد واستخفاف‏

يقول محمد شالاتي - طالب صف ثامن: »والدي حريص أشد الحرص على أن أكون من المتفوقين, ورغم أن علاماتي تعد ممتازة, فهي لا تعجبه ويريد الأفضل, فيهزأ بما أحققه من نتائج, ويعتبرها غير مرضية بالنسبة له, قياساً لما يوفره لي من امتيازات في المستوى المعيشي, وهذا يضايقني ويشعرني بأني غير ناجح كما يجب«.‏

في حين يعاني تامر النشواتي - طالب صف عاشر - من انتقاد دائم من قبل أستاذه, الذي لا يدخر فرصة للاستهزاء به, لأنه برأيه غير قادر على مجاراة أقرانه في الصف, يقول: »بت أشعر فعلاً بكره هذه المادة التي يدرسها, صحيح أنني أجد صعوبة فيها, ولكن كانت علاماتي لا بأس بها, أما الآن فتراجعت قياساً لبقية المواد التي أحصد فيها علامات عالية«.‏

تراجع وتدن في مفهوم الذات‏

حول هذا الموضوع حدثتنا الاختصاصية النفسية فريدة الحسين, قائلة: يعتقد بعض الآباء أن عبارات اللوم والنقد التي يوجهونها لأبنائهم تؤدي إلى زيادة الجهد, وتحسين مستوى الأداء بشكل عام, والأداء المدرسي بشكل خاص, في حين يتحفظ بعض الآباء في إبراز اللوم, ويتقصدون عدم التعبير عن أساهم وخيبة أملهم عند عدم تحقيق النجاح المأمول.‏

والواقع يشير إلى ظهور نتائج مختلفة عند الأبناء, تبعاً للطريقة التي يلجأ إليها الأهل, فعندما ينتقد الابن من قبل والديه, ويتكرر بشكل دائم, نلحظ تراجعاً وتدنياً في نظرته لنفسه, أو ما يسمى »مفهوم الذات« فيشعر بالإحباط, لأن ما قدمه من إنجازات مهما كانت لم تنل التشجيع, ولم يذكرها أو يمتدحها الوالدان, ولكونه لم يلق الاستحسان من مثله الأعلى وقدوته, يتراجع في أدائه المدرسي.‏

»العجز المتعلم« في الأداء الدراسي‏

وتتابع الحسين بقولها: قد يصبح الابن حذراً في الإقبال على العمل المدرسي وإنجازه, وقد يتطور به الأمر إلى ما يسمى »العجز المتعلم« إذ يتولد لديه شعور بأنه عاجز عن القيام بما يقوم به زملاؤه الآخرون, الذين يتجنب آباؤهم لومهم المتكرر, بل يعطون لأبنائهم الفرصة لإظهار قدراتهم, ويحافظون على مستوى مقبول من تقدير الذات يساعدهم على المحاولة من جديد.‏

والأمر لا يقتصر على الأهل, ففي المدرسة هناك بعض المعلمين الذين يوجهون عبارات النقد والتقريع والاستخفاف, أو حتى الإشارات والإيماءات باليدين أو بالوجه, للطلاب ذوي المستوى المتدني من التحصيل, اعتقاداً منهم أن هذا يؤدي إلى تحفيزهم وإقبالهم على مزيد من الجهد, ولكن الواقع وحالات كثيرة تشير إلى نتيجة معاكسة, إذ إن مثل هؤلاء الطلاب قد يحافظون على مستواهم المتدني وأحياناً يزدادون تراجعاً, لأن مفهوم الذات لديهم تزعزع وتراجعت نظرتهم لذواتهم, وازدادوا سلبية بسبب مواقف المعلمين منهم, فيعتقد هؤلاء الطلاب أن المعلمين على دراية بحالهم وأعلم منهم بقدراتهم, فيقول الطالب في قرارة نفسه: »إذا قال المعلم عني إني بهذه القدرة المتدنية, فلا فائدة ترجى من أي مجهود أقوم به« وبالتالي يحكمون على ذواتهم بالدونية والفشل.‏

الاعتدال بين اللوم والمديح‏

وتلفت الحسين بقولها: نحن لا نريد السكوت عن الإهمال الذي يبديه الطالب أو التغاضي عن الأخطاء التي يرتكبها, سواء من قبل الأهل أم المدرسين, كما لا يمكن الإحجام عن تقديم النصيحة أو اللوم البتة, بل يمكن توجيه ذلك باعتدال وتوازن, وأن تكون من خلال رسائل غير مباشرة, ومتناسبة مع الموقف والحالة, فلا المديح المطلق ولا اللوم المطلق, بل الاعتدال في التعامل معهم.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية