تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


زراعتنا وأمننا الغذائي

اقتصاديات
الأحد 23 تشرين الثاني 2008 م
د.حيان أحمد سلمان

دون مقدمات يعتبر الامن الغذائي من أهم التحديات التي تواجه دول العالم بشكل عام والمنطقة العربية ومنها سورية بشكل خاص , ويرتبط ارتباطا مباشرا بالامن القومي واستقلالية القرارالسياسي و الاقتصادي.

وجوهره القدرة على انتاج الغذاء بشكل يعادل او يزيد عن احتياجات الطلب المحلي الداخلي, وهذا ما يعرف بالأمن الغذائي المطلق. ولكن في الواقع يمكن للدولة ان تكون قادرة على تأمين جزء من احتياجاتها الغذائية من انتاجها الداخلي واما الباقي فتؤمنه عن طريق دول اخرى متحالفة معها ضمن تكتل اقتصادي او اقليمي اوسياسي معين وهذا نطلق عليه الامن الغذائي النسبي. مع الاشارة الى ان تأمين الامن الغذائي المطلق هو في غاية الصعوبة لأن الموارد محدودة والحاجات متجددة ومتغيرة ومتزايدة وتتزايد الحاجة اليها مع اشتداد حدة الازمة الغذائية العالمية بحيث اصبح هذا الامن من ركائز الصمود الوطني والاستقلال الاقتصادي لأن بعض الدول تمارس ضغوطات على الدول الاخرى من خلال التحكم بحجم احتياجاتها الوطنية وخاصة الغذائية ولا سيما بعد الارتفاع الكبير في اسعار السلع الغذائية وخاصة الحبوب والذرة والارز التي تعتبر الغذاء الاساسي لأكثرية شعوب العالم مما ادى الى مجاعات واضطرابات كثيرة في دول متعددة. ما اثار المنظمات الدولية وعلى رأسهامنظمة الامم المتحدة للاهتمام بذلك ودفع الامين العام للأمم المتحدة لأن يطلق على هذا الجوع اسم / الجوع المذل/ لكن السيد جاك ضيوف مدير عام منظمة الاغذية العالمية /الفاو/ اطلق عليه اسم / الجوع السياسي / . كإشارة مباشرة منه الى انه مرتبط بأهداف واغراض سياسية اكثر منها اقتصادية. ولا سيما من خلال التوجه نحو تصنيع الايتانول او /الوقود الحيوي/ من النباتات والألياف السيللوزية والنشاء والقمح والذرة الصفراء والسكر والشوندر. . الخ وهذا سيؤدي الى زيادة اسعار المواد الغذائية بسبب زيادة الطلب على العرض وتشكيل الفجوة التسويقية الغذائية . ولذلك يمكن القول انه كلما ارتفع تصنيع (الايتانول) او الوقود الحيوي كلما ادى الى ارتفاع اسعار السلع الغذائية.. ومن هنا نرى ان هذه المشكلة ستستمر لوقت طويل ولا سيما بعد ان اتخذت الولايات المتحدة الامريكية قرارا بعدم تصدير القمح والذرة الصفراء بدءا من عام 2010 واستخدامها في تصنيع الوقود الحيوي كتعويض عن ارتفاع اسعار النفط ومشتقاته . وهي تستخدم الآن اكثر من 40% من الذرة لتصنيع الايتانول . وهذا سينعكس على الدول النامية بشكل عام وعلى الدول العربية بشكل خاص والتي وصل فيها العجز من مادة الحبوب الى 55% من الاحتياجات السنوية ووصل حجم استيرادها الى 52 مليون طن وبلغت الفجوة الغذائية العربية اكثر من 30 مليار دولار سنويا . و ان هذه المشكلة تزداد تعقيدا في المستقبل لأن الزراعة في الدول النامية تعاني من مشاكل هيكلية وبنيوية بسبب ضعف الاستثمارات الموجهة لها ونقص الخبرات والمعرفة. وبسبب السياسة الامريكية والاوروبية بخصوص مواضيع المسألة الزراعية ودعم مزارعيها وعدم تحرير تجارة السلع الزراعية. وهذا دليل واضح كيف انه أي الدول المتطورة تضرب بعرض الحائط بكل مقررات منظمة التجارة العالمية امام مصالحها الوطنية. ومع اشتداد هذه الأزمة تداعت اغلب دول العالم لمعالجتها واعتبرتها اشبه بحرب عالمية ضد البشرية. ومن هنا كان تصريح رئيس المنظمة الدولية في مؤتمره الصحفي الذي عقده مع رئيس البنك الدولي /روبرت زوليك/ قائلا: (إنه لا يمكن ان نسمح لأنفسنا بالهزيمة في هذه المعركة أي معركة الجوع والتي تؤدي الى اضطرابات سياسية ونحتاج الى 15-20 مليار دولار سنويا لمعالجة ذلك).‏

ولهذا فالمهمة المطروحة امامنا في سورية والبلاد العربية هي كيف نتجنب هذا الجوع المذل او الجوع السياسي وهنا نقترح دعم الزراعة والقطاع الزراعي واعتبار ذلك من الثوابت الوطنية وزيادة الانتاج والانتاجية في المحاصيل الزراعية بجانبيها (النباتي والحيواني).‏

واعتبار ان انتاج القمح هو بمثابة خط أحمر لا يجوز قبول أي تراجع في انتاجه وان يتم الاحتفاظ بالمخزون الاستراتيجي منه اضافة الى زيادة الانتاج من (الذرة الصفراء-والشوندر..والقطن- والزيتون.. وفول الصويا - وخضار- فواكه..الخ ) التي تعتبر من اهم متطلبات الامن الغذائي . ومن هنا نتفهم قول وزيرة الخارجية الامريكية كونداليزا رايس عندما سئلت لماذا لا تمارسون الضغط على سورية? فجاوبت لأنها لا تستورد القمح . ولتنفيذ ذلك لا بد من استغلال كافة الاراضي الصالحة للزراعة علما اننا لا نستغل منها سوى 80% اضافة الى التوسع في استصلاح الاراضي الباقية أي ( غير الصالحة للزراعة) حاليا عن طريق دعم مؤسسة استصلاح الاراضي . ويجب التركيز على زيادة المردودية أي (انتاج الهكتار الواحد من المساحة المزروعة). وقد وصل انتاج القمح الى 4932 ألف طن عام 2006 والشعير 1203 ألف طن والذرة 159 ألف طن والبطاطا 603 آلاف طن بل بالعكس ان تزداد المردودية لتحقيق الاشباع الدائم للمتطلبات الاستهلاكية للمواطنين. وهذا يتطلب ان يكون معدل النمو في الانتاج الزراعي يعادل ثلاثة اضعاف معدل النمو السكاني. أي بحدود 7% على الاقل سنويا . وهذا ما يجب ان تركز عليه سياستنا الاقتصادية بشكل عام وسياستنا الزراعية بشكل خاص.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية