تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


إسقاط النظام .. وما بعده !

معاً على الطريق
الثلاثاء 18-6-2013
خالد الأشهب

في الأصل، ثمة قاعدة تقول: أي نظام خير من لا نظام, لأن اللانظام في أي مجتمع أياً كان لا يعني شيئاً سوى الفوضى, والفوضى الاجتماعية لا تعني سوى الصراع وافتراس البعض للبعض الآخر.

ومن السخرية المريرة أن يجد البعض رابطاً أو انسجاماً ما بين مصطلح الفوضى من جهة وبين مصطلحات أخرى كالبناء أو الخلق, فيجعلها «الفوضى الخلاقة» أو «الفوضى البناءة».. وكما لو أن الخلق أو البناء يمكن أن ينتج عن فوضى ما مهما كانت توصيفاتها وأدواتها، وهذا كسر غير مفسر لأبسط أنواع المنطق وطرائق التفكير الإنساني المعروفة.‏

«الشعب يريد إسقاط النظام» هو الوصفة السحرية والشعار المدمر الذي جاءت به احتشادات العرب في ساحاتهم وشوارع مدنهم, شعار لا يريد شيئاً سوى إسقاط النظام.. لا يريد استبداله أو تطويره أو تعديله, بل فقط إسقاطه.. فماذا بعد إسقاطه.. لا جواب؟‏

الذين نحتوا هذا الشعار ودسوه في الشارع العربي، يعرفون جيداً أن لا جواب لدى من سيرفعون الشعار ويسيرون به, واللا جواب الذي يتجلى اليوم في ليبيا وتونس واليمن وحتى مصر.. يعني تماماً اللا نظام أي الفوضى, إذ ليس من المتوقع لدى هؤلاء الناحتين أن يكون هناك جواب لما بعد إسقاط النظام.. في مجتمعات تفتقر التجربة الديمقراطية بكل مكوناتها وشروطها الفكرية والتاريخية وأولها العلمنة.. وتفتقر إلى النخب المثقفة, اللهم إلا إذا كان البعض يتوهم أن العقائد المذهبية والطائفية والعشائرية هي ثقافات نخبوية حداثية! مجتمعات ينحط فيها الوعي السياسي العام إلى حد رفض الآخر أو شطبه تماماً أو, في أحسن الحالات، التعايش معه قسراً، ولأنهم يتوقعون ذلك ويدركونه، فإنهم اكتفوا بالتحريض على مجرد إسقاط النظام.. وهذا كاف و واف لبلوغ الفوضى تلقائيا في هذه المجتمعات, والتي حينئذ ستتكفل بتحقيق بقية الأهداف دون عناء، وستنتج أدوات تحقيق ذلك ذاتياً.. دون أن يتدخل الناحتون وأصحاب الأهداف بالتضحية بنقطة واحدة من دمهم أو بصرف فلس واحد من جيبهم!‏

في وقت وصل فيه الرئيس الأميركي ذو السحنة الداكنة إلى بلفاست أمس وتحدث إلى الإيرلنديين برومانسية بالغة عن سعادته باكتشافه أصولاً إيرلندية لأجداده!!.. كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وبكثير من الفهم العميق لما بين الثورة والفوضى ولما بين إسقاط النظام وما بعد الإسقاط، يقابل إصرار رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون على توجه بريطانيا نحو تسليح المعارضة السورية، المسلحة أصلاً بكل ما هو تحت وطني، بذريعة الوصول إلى الديمقراطية والتعددية في سورية فيتساءل بوتين بسخرية مريرة: هل تريدون تقديم السلاح إلى من يأكلون أعضاء البشر؟‏

الآن، يمكن الحديث، بكثير من الأريحية والهدوء.. وبكل طرائق المنطق والتفكير «الإنساني», عن الكيفية التي يمكن للفوضى فيها، أن تكون خلاقة مبدعة على يد كاميرون وحفيده التاريخي أوباما .. بين أكوام الدمار وبقع الدم التي تملأ المكان!!‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية