تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


إيقاعها

الملحق الثقافي
18-6-2013م
نجوى حسين :ما يزال لدي نصف ساعة.. نصف ساعة؟!

زمن طويل سأجتاحه على مقعد انتظار.. الصيف قائظ، ازدحام خانق على رصيف رقم -7- لرحلة الثانية والنصف‏

التي تتجه نحو المدى الأزرق، أو الذي بلا لون.‏

ربما كان علي أن أنتظر المساء، كي أغادر هذه المدينة بهدوء أكثر.. وبانتظار أقل.. إنما.. لا يهم!! فلن يجدي نفعاً التأجيل ساعتين أو ثلاث.. طالما ما من عناء لأحد سواي.‏

أحد عشر عاماً أقف على هذا الرصيف.. سبعة منها بلا وداع! لكنيّ سأظل آتي مبكراً. علّي ألقى مرة ظلاً يقف خلفي، أو يداً تلوح لي، خلفها غمامة دمع.‏

«ها هنا وقفت تنتظرني ذات مساء.. ها هنا تركتها ذات رحيل.. وهنا.. وهنا.. وهناك بصمات حذائها ذي الكعب العالي والذي أستمتع بصدى إيقاعه في سكينة الذكريات».‏

••‏

ما يهم؟!‏

لمَ أتذكرها؟!‏

سفر.. ووداع.. كأني في كل مرة أهاجر، لكي أحلم بأحد يتلهف للقائـي.. ليست سوى رحلة معتادة تتكرر لزيارة أو عمل. ومع ذلك لا بأس أن تتخيل أن ثـمة من تشكل بغيابك فراغاً فيه.‏

أيتها العاصمة، التي لا تعصم في ازدحامها من الوحدة. للمرة التي لا تعد أستحضر وجودها وأنا أتسلق سلم الهجران.‏

«الله.. كم كنت سعيداً وهي تعانقني في عتمة مساءات السفر.. وتسألني: متى ستعود؟ قبل أن أغادر».‏

والآن..‏

«لو أنها تأتي سأعاود قياس محيط خصرها مرات.. ومستمراً أعد أصابع كفيها.. بشفتي كي لا أنسى طريقة العد.. وأغرق في سواد ينتهي بشروقها».‏

أيتها المدينة الموحشة في أزمنة عدم حضورها! كم عيرني غيابها وبلا ضفة!‏

••‏

رعشة تشبه سريان النسغ.. امتدت في عروقي الجافة!‏

علها نسمة مرت في خاطري من أماسي الوجد.. أو هو شيء من عبير عتيق.‏

يا لهذه الذاكرة التي توغل في تضاريس سنواتنا حتى تتوه.. كأنها باحثة عن شبح ذاك الزمن السارب.. إنني على حد هذيان ينبىء بالجنون.‏

••‏

ظل شفيف سرى.. ثـم جالسني على مقعد الانتظار. كأنما سحر سكب حول الأشياء إلى كتل حجرية. لم أعد قادراً على ترصد الأجساد غير منضبطة الحركة حولي.. إنني ربما سأغدو كذلك أميراً مسحوراً في ساحة مهجورة إلا منها.‏

••‏

قطرات من غيمة عبرت عيني.. وتزحلقت على وجهي المنحوت إلى رصيف رقم -7- و.. ولا شيء تغير. نعم لا شيء تغير. فلم تكن السماء ماطرة.. كما أني لست بأمير.‏

••‏

- أرغب أن أظل مسمراً في مقعدي..‏

- علها تكون هي؟‏

- لكني لا أريد أن تكون هي.‏

- بل تأمل أن تكون.‏

- لقد نزف عمري كل تلك السنوات.‏

- هي نظرة تكفي.‏

- لن أحاول الالتفات.‏

- بل ستنظر بملء عينيك.‏

- أبداً.‏

- ستفعل.‏

هي ذي الساعة.. تعزف.. تدق.. تطرق معلنة الثانية والنصف.. موعد الرحلة التي تتجه إلى المدى.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية