تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


التحديات الإقليمية والمصالح المشتركة

دراسات
الخميس 13/3/2008
تتصاعد يوماً بعد يوم حدة المواجهة للمشاريع الأمروصهيونية ضمن الدائرتين العربية, والإقليمية وتحدث في المستوى الرسمي, وكذلك في المستوى الشعبي تجاذبات متعددة تذهب بمجملها نحو آفاق التطورات الراهنة على صعيد القضايا الساخنة بدءاً من احتلال العراق المأزومة أميركا فيه وسقوط رهاناتها عليه,

ومن ثم حصار غزة الظالم وتفلت اسرائىل من كل شرعة دولية, أو قرار للمجتمع الدولي, انتهاء في لبنان وما كشفه ساترفيلد مؤخراً ومؤداه أن أميركا لم تعد موافقة على المبادرة العربية فيه, وليست متحمسة لها بمقدار ما هي متحمسة لتجاهل إرادة المعارضة الوطنية, ودافعة المستقوين بها إلى المزيد من توتير الأجواء, والتسخين السياسي بغية خلق عناصر ضرورية في أخذ البلد نحو الحرب الأهلية من جديد, وبذلك تكون أميركا وحلفاؤها قد قدمت لهم مبادرة التدخل تحت هذا العنوان فتنتقل المنطقة برمتها إلى أجواء من الحروب التي تحقق المخططات الجيواستراتيجية المعروفة لأميركا, وإسرائيل المستهدفة تفتيت المنطقة., وإنهاء وحدتها الجيوتاريخية ضماناً لانتصار المشروع الصهيوني المنكفىء حتى الآن.‏

وما يبدو على سطح الأحداث العربية الراهنة أن حالة ترقب واضحة لدى كافة الدول العربية والإقليمية ترى فيها مآلات غير مشجعة للبقاء في وضعية المتفائل بنجاح سياسات أميركا بإدارة الرئيس بوش ومحافظيها الجدد, ولاسيما الفشل الكبير في العراق الذي كان يراد له أن يكون بوابة العبور الاحتلالي لمن يتقرر الشروع باحتلاله وإذا بها أميركا لم تعد تعرف بأية كيفية ستبقى وأية خسائر ستتقيها يومياً وخاصة بعد قصف الصواريخ على مطار بغداد في الآونة الأخيرة ما تسقط معه إشارات التفاؤل بالتحسن المزعوم للحالة الأمنية أي تراجع وتيرة المقاومة الوطنية لتحرير العراق على الرغم مما حصل في زيادة عديد القوات الأميركية فيه ذلك المشروع الذي لم يكن الكونغرس الأميركي موافقاً عليه بالأساس.‏

وعليه فإن أية ظاهرة تراجع أميركية في الجيوبولتيك الذي تراه للمنطقة العربية, أو الإقليمية لابد أن تنعكس سلباً على طبيعة الوجود الاحتلالي لإسرائىل في الأراضي العربية, وعلى مقتضيات الصراع العربي والإقليمي ضدها كخطر يهدد الجميع, ولا يمكن لأحد عربياً كان أو إسلامياً أن يخرج نفسه من المجال الحيوي لدولة العدوان العنصرية التوسعية الاستيطانية.‏

وجلاء الأمر في الحالة الراهنة يعطي الدليل إثر الدليل على ارتباك اسرائىل من الداخل بعد صدور تقرير فينوغراد, وعدم قدرتها على فرض وقائع تريدها في غزة سوى التعدي على أبسط الحقوق المدنية للذين يقعون تحت الاحتلال, ومخالفة شرعة الأمم المتحدة في ذلك, وتجاهل آراء الكثيرين من حلفائها حتى الأوروبين منهم.‏

وما تشهده غزة اليوم فإن الذين كانوا على سياسات تعاون مع أميركا من المستوى العربي الرسمي, أو من المستوى الإقليمي يبدون مشاعر التنكر لهذا الصمت الأميركي إزاء ما يحدث وعدم التفريق بين المعتدي والمعتدى عليه, وتنامت عندهم ولا تزال بوادر التجاذب السياسي بهذه الخصوصيات حتى لكأن حالة تقارب سياسي محسوم تكاد تظهر, وتوجه اختيارات القرار السياسي إزاء الغطرسة الإسرائيلية, وداعمها الأميركي الذي يكيل بمكيالين دون أدنى مشاعر خجل.‏

وحين نطلع على مقابلة الرئيس بوش مع الإذاعة البريطانية (BBC) نتفهم حالة الحرج اللامحدود الذي تقع فيه أميركا حين يأتي السؤال حول معتقل غوانتنامو, وعليه فقد حاول الرئيس بوش أن يغطي الفظاعات التي تمارس بأنها خدمة لأسر وعائلات ضحايا هجمات (7) تموز على مدينة لندن, وزاد في أضاليله بأن شناعة الاستجواب ساعدت على إنقاذ الحياة رغم رفض الكونغرس الأميركي لسياساته في التعذيب, وفي نهاية حديثه للإذاعة يصر الرئيس بوش بأن الولايات المتحدة لا تزال مدافعة عن حقوق الإنسان, ولا تزال تمثل المستوى الأخلاقي الأعلى في هذا العالم, وأن الولايات المتحدة دولة قانونية وتتخذ قراراتها بالاستناد إلى القانون, وختم بأن أميركا فيها أمة قانونية).‏

وبالوقت الذي يتحدث فيه الرئيس بوش عن الأمة القانونية تتخذ السياسات الأميركية أخطر القرارات التي لا يقر بها قانون إقليمي, أو دولي فإذا كان يرأس أمة قانونية لماذا لا يمتلك الجرأة على إجبار اسرائيل بالاعتراف بالقرارات الدولية ذات الصلة بالصراع العربي ضد الصهيونية وهو يساعد على يهودية اسرائيل.ورفض القرار 194 القاضي بحق العودة للاجئين, كما إنه ما زال يتواطأ مع اسرائيل في قرارها ضم الجولان العربي السوري المحتل, ولم يكن له الموقف المطلوب إزاء احتفاظ اسرائىل بمزارع شبعا, والغجر في جنوب لبنان.‏

أين الأمة القانونية حين تستخدم أميركا الفيتو كلما كان قرار المجتمع الدولي, رافضاً لسلوك عنصري عدواني لإسرائىل في المنطقة العربية?!! إن مقولة الأمة القانونية لا يوجد لها مستند في الجيواستراتيجية الأميركية في منطقتنا العربية, وفي محيطها الإسلامي كذلك ما دامت أميركا تغير مفاهيم الصراع بديماغوجية لا مثيل لها حين تريد أن تجعل من إيران التي تريد الاستخدام السلمي للطاقة النووية عدوة للجميع في المنطقة. وأن الخطر الإيراني من وجهة نظرها يجب أن يدخل العرب مع اسرائيل في تحالف واحد ضدها, وكأن اسرائىل لا تحتل أرضنا العربية وتشرد شعبنا منها.‏

ولو تأملنا في مجريات الزيارة التي قام بها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبي لإيران قبل بدء زيارته لسورية حيث قال:( إن مزاعم الأجانب في أن إيران تشكل خطراً على دول المنطقة واهية للغاية لأن شعوب المنطقة لها تاريخ, وحياة مشتركان).‏

وكان نائب الرئيس الإيراني الأول برويز داودي قد أشار إلى أن المحادثات مع الشيخ محمد بن راشد قد أكدت على الاستخدام السلمي للأنشطة النووية المدنية في إيران, وأن الشيخ قد أكد على حق إيران باستخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية).‏

وما يصبح- شيئاً فشيئاً- بحكم الحقيقة السياسية التي يتحرك بهديها الجميع, العربي والإقليمي هو أن أميركا لم تكن حكماً نزيهاً في الصراع العربي الإسرائيلي, ولم تكن محقة للحق خاصة بعد احتلالها للعراق وما فعلته بشعبه وأرضه. ولم تكن مع لبنان الوطني ذي الآفاق القومية, وليس لبنان النقطة الرابعة. وبناء عليه فمن الطبيعي أن تتقارب وجهات النظر, وأن يبدي النظام الرسمي العربي قلقه من مجريات السياسة المنحازة لأميركا, أو من مجريات السياسة الاحتلالية لها في عراقنا الشقيق وذلك كله سوف يجعل الطريق إلى مؤتمر القمة العربية القادم في دمشق مفتوحاً على المزيد من التفاهم والتكامل والتضامن, وبغير ذلك سيبقى النظام الرسمي العربي والإقليمي معه رهن المشاريع الأمرو صهيونية المنذرة دوماً بتهديد الوجود, والمصير العربيين, والإسلاميين على حد سواء.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية