|
شؤون سياسية وخلال وجوده في إسرائيل حيث لقي ترحيبا حارا، وجه سيلفاكير شكرا لاسرائيل قائلا: «بدونكم ما كنا لنكون موجودين قاتلتم معنا للسماح بانشاء جمهورية جنوب السودان». وتحتل زيارة سيلفاكير أهمية خاصة كونها تأتي بعد انفصال جنوب السودان ما يعني انها باتت بين «دولتين» وليس بين دولة وحركة تمرد. والامر الثاني: انها تتم بشكل علني لأول مرة بعد عقود من محاولات النفي والتضليل بخصوص حجم وطبيعة العلاقات بين الجانبين، وهي هنا تفتح على اختراق إسرائيلي كبير لتلك المنطقة بما يمس من جوانب عديدة الامن القومي للسودان ومصر بشكل خاص، ولمجمل المنطقة العربية والافريقية بوجه عام. وهذا يعني تاليا، أن جنوب السودان، بات علنا ورسميا ساحة عمل مفتوحة للمشاريع الاسرائيلية السياسية والاقتصادية والموجهة أساسا ضد ما تبقى من أرض السودان، وضد المصالح المائية المصرية في وادي النيل. والواقع ان العلاقة بين الانفصاليين في جنوب السودان وإسرائيل لم تكن سرية أبدا منذ عهد رئيس الحركة الشعبية جون غارنغ الذي أقام علاقة مباشرة مع اسرائيل، وحصل على تمويل وتسليح لحركته خلال معارك الاقتتال عام 1990. وكان لإسرائيل حتى قبل ذلك الوقت أذرع خفية في الجنوب من أجل تحقيق الانفصال، وتوغلت في معظم الهيئات الدولية والإغاثية المنتشرة في جنوب السودان، إلى جانب سيطرتها على معظم فنادق ومطاعم الجنوب التي كانت تعمل تحت ستار الشركات الكينية والأوغندية والايوبية المالكة لهذه المشروعات. وتمثل دولة جنوب السودان خيارا استراتيجيا لإسرائيل، لجهة امكانية ان تسهم في تأمين النفط ومصادر الطاقة الاخرى، فضلا عن رغبة إسرائيل غير الخافية في الحصول على مياه النيل. وحتى اذا لم تؤخذ على محمل الجد المخططات الاسرائيلية القديمة التي تتصل بضم أجزاء من مصر تصل إلى حدود الضفة الشرقية لنهر النيل، فإن لدى إسرائيل خططا أكثر جدية بشأن مد خط من نهر النيل عبر سيناء إلى جنوبي فلسطين المحلتلة، وهو مشروع كان قد عرض في أوقات سابقة على المصريين الذين رفضوه بطبيعة الحال. وتسعى إسرائيل لأن تكون علاقاتها مع جنوب السودان ورقة قوية تستخدمها للضغط على مصر وعلى السودان. ولم يكن مستغربا أنه حالما تحقق الانفصال بين الشمال والجنوب، بدأت على الفور تثار قضايا حدودية أخرى وفي مقدمتها ولاية النيل الازرق اضافة إلى منطقتي جنوبي كردفان وابيي. والمعروف ان ولاية النيل الازرق تستقبل أهم روافد نهر النيل وهو النيل الازرق القادم من اثيوبيا وهي حاليا تقع ضمن أراضي شمال السودان. وتجري محاولات حثيثة لسلخ هذه المنطقة من الشمال وإلحاقها بالجنوب، ما يعني أن يصبح نهر النيل بالكامل تحت سيطرة جنوبي السودان، باعتبار ان النيل الازرق يؤمن أكثر من 85 بالمائة من مياه النيل التي تصل إلى مصر . وفضلا عن ذلك، فان النيل الأزرق يحمل إلى مصر الطمي الذي يفيد أرض مصر المتدنية الخصوبة، وما يسمح بتجديد خصوبتها، والا تحولت مع الزمن إلى أرض جدباء وفق ما يقول خبراء المياه، ما يعني أن النيل الأزرق بالنسبة لمصر ليس مصدر مياه فحسب، بل هو الذي يحمل إليها التربة الخصبة أيضا. ومع اندلاع الاشتباكات أخيرا في منطقة في ولاية النيل الازرق، ثارت في مصر مخاوف من أن تسعى القوى المدعومة اميركياً واسرائيلياً للسيطرة على هذه المنطقة، وهو ما يمكن أن يكون له تأثير على حصة مصر من مياه النيل الأزرق. ورغم اعتراف رئيس الحركة الشعبية السابق جون غارانغ بتبعية النيل الأزرق وجنوب كردفان للشمال، إلا أنه أصر على مناقشة أوضاعهما في مفاوضات اتفاقية السلام الشامل، حيث طالب بأن يكون لها حق تقرير المصير مثل الجنوب، وهو ما رفضته حكومة الخرطوم باستثناء منطقة أبيي. ويرى الدكتور بونيتو بولا، الباحث بالمركز الدولي لتطوير القانون الجنائي وسياسة العدالة الجنائية في إيطاليا ان إسرائيل التي كانت اللاعب الأول في انفصال السودان لأهداف سياسية واقتصادية، سعت وتسعى للسيطرة على نهر النيل من الجزء الجنوبي من السودان، بعد أن استطاعت فرض سيطرتها السياسية على المنبع خاصة في اثيوبيا التي ترتبط بعلاقات قوية مع إسرائيل. وتحدث عن مشروع إسرائيلي لإنشاء ثلاثة سدود في مدن «واو» و«توريت» و«جوبا»، لتوليد الطاقة الكهربائية، وهذا المشروع قدم بعد أن تقدمت الحكومة المصرية للجنوب السوداني بمشروع مماثل لإنشاء سد فى مدينة واو بغرض توليد الكهرباء وتوفير المياه اللازمة لزراعة 30 ألف دونم، إضافة إلى تنقية مياه الشرب. ويرى خبراء أن إثارة النزاعات الحدودية مجددا بالنسبة لشمال السودان، انما هو جزء من مخطط أوسع يستهدف السودان ومصر معا، وليس بعيدا عما يثار من حديث بشأن إعادة تقسيم السودان بهدف اقتطاع مزيد من أراضيه بما يشمل ولاية كردفان أيضا، فضلا عن خطط لاقامة « دولة النوبة» بين السودان ومصر وصولا إلى اقامة دولة قبطية في مصر ذاتها. وبطبيعة الحال، تلقى خطط إسرائيل بشأن السودان مساندة واحتضانا من جانب الولايات المتحدة التي لديها أيضا استراتيجية تتقاطع وتتكامل مع الاستراتيجية في العديد من الاهداف حيث تعتزم الإدارة الأميركية بناء قاعدة عسكرية في جنوب السودان، فضلا عن رغبة الولايات المتحدة الأميركية في مواجهة التوغل الصيني في افريقيا. وبجانب الموقف الرسمي الأميركي، تؤثر قوى عديدة في عملية صنع القرار الأميركي بخصوص جنوب السودان بما يحقق مصالحها، أبرزها شركات الطاقة والتعدين التي ترمي إلى الاستفادة من الثروات التي يحويها الجنوب من اليورانيوم والنحاس و النفط، بينما تعتبر الولايات المتحدة أكبر داعم مالي لجنوب السودان، حيث يقدر الدعم القادم من واشنطن لجوبا سنويا بمليار دولار حتى قبل حصول الانفصال . يبقى ان نقول إن رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو يعتزم القيام قريبا بجولة في افريقيا تشمل عدة دول منها اثيوبيا وكينيا وارتيريا بهدف استعادة مواقع إسرائيل التي خسرتها في السنوات الاخيرة في القارة السمراء بعد موجة التعاطف الافريقي مع القضية الفلسطينية والتي وصلت أحيانا إلى قطع العلاقات مع إسرائيل. |
|