|
ثقافة
لينا التي أجادت فن الحكي والتقاط التفاصيل، وترتيبها وإعادة هيكلتها وتنظيمها في روايتيها «بنات نعش» و«سلطانات الرمل» التي حظيت بشهرة واسعة وطبعت أكثر من مرة، أدركت أنه كما للرواية روعتها للشعر أيضاً سحره، لذلك أرادت أن تبث القراء مكنونات نفسها علها تداوي جروحاً وتهدئ أرواحاً رغم معرفتها أن الزمن للرواية تسويقاً، لكن يبقى صوت الشاعر مخبوءاً في قصيدته الطليقة، الشاعرة وإن بدت في نصوصها حرة طليقة لاتحتفي بالوزن والإيقاع الناجمين عن التفعيلات المعهودة، إنما صدرت موسيقا عباراتها من تآلف المفردات في ساحة النص وإن أطلقت عنان نفسها دون قيد أو شرط، إلا أنها لا تزال وفية لتاريخ لا يمكن الخروج منه، «فهل يعقل أن يستبدل العربي فرسه بكرسي على رصيف زقاق ما؟». فعندما تتحدث عن الغدر والخيانات يتراءى أمامها امرؤ القيس الذي بكى «لما رأى الدرب دونه» و«سأل ديار الوراء» و«الأفق البعيد». وبكى «الدخول وحومل» وآلهة عبقر، وهي أيضاً تقف بين حدين الماضي والحاضر حيث تكثف نصوصها الواقع الراهن الذي يسود العالم العربي، وخناجر الغدر المصلطة عليه ص 20 «نزرع الشوك لكل البراءات القادمة والممكنة والمحتملة وكل سهام التاريخ نفذت بلحم اليوم». وُتلمح إلى خذلان العربي لأخيه بالدم التي تجاوزت شريعة الغاب ص15 «خذلتك» حمير وبكتك كندة، دائما السم بمثل هذه الوفرة بين يدي الضمير المعطل، وتتحدث عن القوانين التي تحكمنا اليوم وقد تجاوزت شريعة الغاب ف(صفقات وسماسرة ومؤامرات) وسباق إلى نيل جائزة نوبل بالتلفيق والكذب وطمس الحقائق والسير في ركب قطاع الطرق، وتصر على وصف حالة التشتت العربي التي تتجلى بصور عدة وخيانات سوداء مستمرة عبر التاريخ من عدنان إلى قحطان. ويحضر الموروث الشعبي بقوة في نصوصها فتصوغه بعبارات مخففة ومحببة ومتداولة في بيئتها البدوية الصحراوية بعتابا مسروقة من ماض عتيق كانت تتسلى بغنائها واحدة من بنات عمها وهي تخض الخضيض لتخرج الزبدة ومطلعها: «عيني صايبها سهر ونعاس يا ذيب ». على غير المألوف تفاجئنا الشاعرة فتقف مع القوي ضد الضعيف.. مع الجلاد ضد الضحية فتنكر للحملان وداعتها، وتؤكد للذئاب افتراسها ص39 «لاعيب أن تموت الحملان فلكل ختام مسكه.. ودمه » لكنها في منظور الإنساني تنكر ذلك، إنما الواقع هو من فرضه عليها وماخبرته في الحياة جعلها تقف نصيرة للأقوياء، وتتجلى مقاومتها الضمنية من خلال السطور، فهي ترفض فعل الخيانة وتشبهه بخنجر الذئاب. وهكذا تسير الوتيرة التعبيرية لدى الشاعرة مابين غضب ونقمة على ما يكتنف العالم من تسلل خفي لمخالب الذئاب لتنهش في جسد الإنسانية، وهذا هو دأبها لمعظم النصوص، فهي إنسانة أولاً لكنها تبدو على باب التجربة مؤيدة للخناجر الذئبية لتظهر لنا الصورة الناصعة للضحية على شاشة الواقع. فغدت تفضل النمور الصريحة الواضحة مع إصرارها الرافض لكل الأنياب المكشرة في الخفاء، وقد عبرت عن ذلك كله بلغة حملت شراسة كل تلك النمور، والسمة الغالبة على سطورها هي الأنفة وعزة النفس، والشموخ الطاغي كيف لا وهي ابنة البادية المعجبة بأنف طرفة وعنترة وزنوبيا وكليب وكليوباترا وهانيبعل ؟! ربما يتساءل القارئ كيف حولت الشاعرة شاعرية الرهافة والرقة إلى شاعرية الافتراس في (نمور صريحة)، والجواب الصريح هو تصديها لزيف الحضارة الذئبية التي يداهمنا بها قراصنة العصر. |
|