تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


«نورا أريسيان»: مهمتي البحث عن الحقائق.. ودمشق تعني لي الكثير

ثقافة
الثلاثاء 27-12-2011
هفاف ميهوب

ما إن تفتَّح وعيها على الحياة حتى وجدت نفسها تعيش ضمن وطن أرغمها دفء اتِّساعه, على أن ترتبط به كابنةِ شرعية..

ابنة بات يفصلها عن موطنها الأصلي, مسافات من الألم الذي لم يكن سببه التهجير فقط وإنما أيضاً المجازر التي أبادت أبناء شعبها والتي زادت من إصرارها على أن تتحوَّل إلى ناطقة باسمه, وكباحثة أرمنية سورية, همّها البحث وتقصي الحقائق وصولاً إلى تدوين مااعتبرته رسالتها للتاريخ والإنسانية..‏

إنها «نورا أريسيان».. الباحثة والأديبة والمترجمة التي استطاعت بمؤلفاتها ومقالاتها التي نشرت في العديد من الصحف والمجلات العربية والأرمنية, أن تكون أول عضو نسائي ارمني في اتحاد الكتاب العرب وكذلك في مراكز الدراسات الموسوعية العربية..‏

لأجل كل هذا, ونظراً لأهمية أبحاثها وترجماتها في الكشف عن حقائق تاريخية شديدة الأهمية,التقيناها وكان لنا معها هذا الحوار:‏

- بداية, من هي «نورا أريسيان» وكإنسانة تمرَّدت على الألم إلى أن أصبحت أديبة وباحثة ومترجمة في السفارة الأرمنية بدمشق؟..‏

-- أنا إنسانة دمشقية أرمنية, فدمشق تعني لي الكثير. ذلك أنني ولدت فيها عام 1967 لأشعر وبعد أن وعيت الحياة, بأن هناك ازدواجية في شخصيتي, بسبب كوني سورية أرمنية, لكن سعيت واجتهدت وكنت حريصة على تحويل تلك الازدواجية إلى أمرٍ إيجابي, وهو ما تمكنت به من إنهاء مرحلة التمرّد والسعي والعمل على أن أكون جسر تواصل بين الثقافة العربية والأرمنية..‏

كان ذلك بعد أن أنهيت دراستي وتخرجت من كلية الآداب في جامعة دمشق, قسم اللغة الفرنسية. حيث عملت كمدرسة لهذه اللغة ومن ثمَّ انتقلت إلى السفارة الأرمنية كمسؤولة لقسم الإعلام وأيضاً كمترجمة مازلت ومنذ خمسة عشر عاماً أترجم للوفود الرسمية..‏

لاشك أن كل هذا خلق لدي نوعاً من التواصل ومع كافة النخب في سورية وأرمينية على حدٍّ سواء..‏

-اخترتِ أن تكوني باحثة في التاريخ. هل السبب وكما قلت بعد إصدار كتابك الأول «غوائل في الفكر السوري» البحث عن حقيقة الأرمن وتوجيه أنظار الرأي العام إلى المجازر والإبادات التي نفذها الاستعمار العثماني بحقهم, أم هناك سبب آخر؟..‏

-- على فكرة, موضوع البحث هو من اختارني فبدأت أبحث في المصادر السورية عن تاريخ الأرمن. صحيح أن المصادر كانت تفتقر إلى أبحاث تدل على حقيقتهم إلا أنني أخذت ومنذ عام 1970 أبحث عما كتبته الصحافة السورية عن تهجير الأرمن إلى سورية, وعن كيفية احتضان السوريين لهم, وأيضاً عن موقف المفكرين السوريين من الإبادة الأرمنية, وهكذا إلى أن أنهيت بحثي الذي قضيتُ في إعداده ست سنوات.. والذي تمكَّنت به من إضافة صفحة جديدة أعرِّف من خلالها بما تعرَّض له الأرمن من إبادات وتهجير إلى سورية, وأيضاً بموقف السوريين من الموضوع وسواء على المستوى الرسمي أو بين الأوساط المثقفة والشعبية..‏

- قلت في «غوائل» الذي أهديته إلى إخوتك في المجتمع السوري: «أقدم لكم هذه الدراسة إسهاماً في إضاءة جانب من مسألة إبادة الأرمن ولأننا نستطيع جميعاً إيقاف إبادات جديدة بإدانة السابقة».. هل ترين بأنكِ استطعت تحقيق ما سعت إليه رسالتك هذه؟..‏

-- أظن أن الاعتراف بإبادة ما, يقطع الطريق على الآخرين بتنفيذ إبادات أخرى, ولو أن المجتمع الدولي اعترف بالإبادة الأرمنية, لكانت المجازر التي تنفَّذ حتى اليوم بحق الشعب الفلسطيني, وجدت من يقف في وجهها..‏

لاشك أن ماسعيت إليه هو إيصال الحقائق التاريخية, وتحديداً مذابح الأرمن وإلى مختلف مجتمعات العالم..‏

- في كتابك الأخير والصادر حديثاً (النواب الأرمن في المجالس النيابية السورية) وثَّقتِ لسير العديد من النواب الأرمن الذين هُجِّروا إلى سورية وساهموا في الحياة السياسية والعامة, ما الهدف الأساسي الذي أردتِ تحقيقه من هذا الكتاب؟.‏

-- لقد كان هدفي من هذا الكتاب توثيق إسهامات ومشاركات النواب الأرمن في المجالس النيابية السورية, وبدءً من وجود أول نائب أرمني عام 1929 حتى يومنا هذا.. أيضاً هدفت إلى التأكيد على أن مشاركة هؤلاء النواب كانت بدافع تأكيدهم على أنهم مواطنون سوريون وبأن خطاباتهم واقتراحاتهم التي كانت تُطرح, كانت تخص وتهم المواطن السوري ككل, وبعيداً عن الإطار الأرمني الضيق..‏

عكفتُ على هذه الدراسة منذ أكثر من عشر سنوات, جمعت خلالها المعلومات وأجريت اللقاءات ومن أجل أن أوضّح دور السوريين الأرمن في الحياة السياسية والنيابية وأيضاً لإبراز أصواتهم بعد استقرار أسلافهم..‏

- بالإضافة إلى عملك كباحثة في التاريخ, امتهنتِ الأدب معتبرة أنه أساس بقاء الشعوب. ما أكثر ما يلفتك من أنواعه وخصوصاً انك ترجمت الساخر منه ولأدباءٍ أرمن؟.‏

-- أرى بأن الأدب هو صلة الوصل بين الشعوب, فمن خلاله يمكن الانفتاح على السياسة والتاريخ, ورغم أن أكثر اهتماماتي بحثية إلا أنني ترجمت منه (ضريبة اللباقة) وهي من روائع الأدب الأرمني الساخر وللأديب (هاكوب بارونيان). هذا الأديب الذي رأيتُ في كتابه الكثير من الأرق لإنقاذ الظواهر الصارخة في القيم الاجتماعية والسياسية والدينية والجهل المتوسع, ولأنه من شدة سخريته قال عن الفترة التي عاشها (القرن التاسع عشر): «الفترة التي وضعت الحقيقة في القبر».‏

(ضريبة اللباقة) عبارة عن قصص مسرحية, شخصياتها ضحايا الغش ومحكومون بالقواعد الزائفة للأدب واللباقة..فمن منا لم يدفع ضريبة اللباقة؟.‏

- من المعروف بأنك المرأة السورية- الأرمنية الوحيدة كعضو في اتحاد الكتاب العرب, برأيك ما وجه التقارب والشبه بين الثقافة الأرمنية والثقافة العربية؟..‏

-- من وجهة نظري, نقطة البدء في التشابه تعود إلى القرن السابع الميلادي, إثر الفتح العربي الإسلامي لأرمينيا. حينها بدأ اهتمام المفكرين الأرمن بالمؤلفات العربية في مجالات التاريخ والجغرافيا والطب والثقافة والأدب.‏

امتدَّ هذا الاهتمام عبر العصور وإلى أن شهد القرن التاسع عشر حركة ترجمة أضافت الكثير لعملية تبادل الثقافات..‏

أيضاً هناك نماذج من التراث الشعبي الأرمني موجود في الحكايا الشعبية العربية. حتى بالأدب الحديث نجد العديد من الإشارات أو الشخصيات الأرمنية مدرجة في الروايات والقصص العربية والسورية على وجه التحديد.. أذكر وجودها في روايات الأديب (وليد إخلاصي) و(نهاد سيريس) و(حنا مينة) و(إبراهيم خليل) و(حسن.م. يوسف) وغيرهم..‏

- أنت باحثة وأديبة أرمنية سورية, ألا تفكرين بإعداد بحثٍ تاريخي يرصد المزيد من الحقائق حول ما اقترفه الاستعمار العثماني بحق أبناء بلاد الشام وخصوصاً في سورية؟..‏

-- هناك أبحاث كثيرة عن هذا الموضوع وهو موضوع يستحق أن أبحث فيه أيضاً, وقد يكون ذلك لاحقاً وليس فقط لأنني دمشقية والموضوع من اهتماماتي وإنما أيضاً لأنه يخص القارئ العربي ومن الضروري أن يطَّلع عليه الغربي ليعرف المزيد عن أهمية هذه المدينة التي مازالت تصرُّ على أن تبقى أقدم مدينة مأهولة في العالم..‏

- نهاية, ماذا تقولين للباحثين في التاريخ والأدب وكباحثة ليس من الصعب عليها استحضار التاريخ إلى لحظة فيها كل الحقائق؟..‏

-- بداية, أريد أن أحيي كل جهدٍ بُذل في سبيل إطار البحث التوثيقي عن تاريخ سورية والبلاد العربية عامة, فيما يخص الأرمن, وجودهم ضمن الطيف السوري يستحق البحث أكثر من كل ما تمَّ تنفيذه حتى الآن..‏

أتصور بأننا جزئية لايمكن التخلي عنها وهي تعطي إضافة وغنى للوحة سورية الكبيرة, لذا على الكتابات التاريخية والأدبية أن تتطرق لهذا الأمر توثيقاً لتاريخ سورية, ورسالة أدبية تحمل في مضمونها الحقائق التاريخية دون تحريف أو تزوير..‏

***‏

من أعمالها..‏

- غوائل الأرمن في الفكر السوري.‏

- أصداء الإبادة الأرمنية في الصحافة السورية 1877- 1930‏

- النواب الأرمن في المجالس النيابية السورية 1928-2011‏

***‏

.. وترجماتها‏

- ضريبة اللباقة, هاكوب بارونيان. قصص مسرحية ساخرة. دمشق. 2004.‏

- شهادات ناجين.بيروت. 2005.‏

- الإبادة الأرمنية اعتراف العالم علناً. هاروت صاصونيان. بيروت 2006.‏

- كاراباخ الجبلية. شاهين أفاكيان. بيروت 2006.‏

- جريمة الإبادة الجماعية ضد الأرمن, ألفريد دوزاياس. بيروت 2006.‏

-شهادة مدى الحياة. كيفورك أبيليان. بيروت 2006.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية