|
شؤون سياسية
وهو بداية انطلاقة واعية نحو بناء سورية الحديثة, بعد أن عانت الجماهير في هذا البلد مشكلات عديدة نتيجة سلسلة من الانتكاسات في السياسة العامة, نتج عنها هزائم مذلة في المعركة المصيرية مع الكيان الصهيوني, ورافق ذلك فشل كبير على المستويين : القومي في مجال تحقيق بعض الأهداف المنشودة كالوحدة العربية. وعلى المستوى الوطني في تامين الاستقرار السياسي والأمني اللازمين للانطلاق بحركة البناء وإعادة ترميم ما تصدع نتيجة الصراعات الحزبية الضيقة بين الأحزاب الوطنية من جهة, وبين حزب البعث من جهة أخرى, والتهافت الذي أبدته بعض القيادات البعثية داخل الحزب ذاته واشتداد الصراع على السلطة بعد نجاح ثورة آذار في تسلم زمام القيادة, وعلى الرغم من محاولة حركة 23 شباط تطويق تلك الصراعات وإعادة السفينة إلى مسارها الصحيح من خلال تمردها على قيادتها الأعلى لكن هذه القيادات التي استمرت بعد حركة شباط لم يتسع أفقها خارج مساحة مصالحها وبقيت تمارس ذات الأخطاء وبنفس العقلية, ما أحاط مستقبل البعث والأمة بمخاطر كبيرة يصعب التغلب عليها مع استمرار الواقع كما هو عليه, وكان القائد حافظ الأسد ورفاقه يتابعون عن كثب الواقع المؤلم وهم يحاولون رأب الصدع ولم يبخلوا بأي جهد لتصويب المواقف وتنسيق الرؤى لكن كان الحزب ينقسم على نفسه في كل مرة, وكانت تظهر نفس التيارات التي كانت تهدد مستقبله في السابق, وما إن حط السادس عشر من تشرين عام 9701 رحاله حتى أتت ساعة الحسم وانبرى القائد الأسد معلنا بجرأة الأبطال تسلم القيادة وإعادة البعث إلى جماهيره, التي التفت سريعا خلف قيادة الأسد معلنة مباركة الحركة التي وجهت المسيرة إلى طريقها الصحيح, وبإعلان قيام الحركة التصحيحية المباركة يكون قد تحقق مطلب جماهيري فرضته ظروف المرحلة من أجل وحدة الحزب من جهة وبناء جبهة داخلية متماسكة من جهة أخرى, إضافة إلى كونها ضرورة قومية دعت منذ اللحظة الأولى إلى حشد طاقات الشعب العربي كله في سبيل تحرير الأرض المغتصبة وصون كرامة الأمة التي توهنها ذكريات النكسات. لا يسعنا أن نتناول منجزات الحركة التصحيحية المباركة التي قادها ورسخ بنيانها القائد الخالد حافظ الأسد طيب الله ثراه بهذه المساحة البسيطة كونها تتطلب مجلدات ومجلدات, لكن لابد من الوقوف أمام بعض المنجزات الهامة التي كانت نتيجة حتمية لتلازم الأقوال مع الأفعال على مدى مسيرة القائد الخالد حافظ الأسد, وهنا لابد لنا أن نتطرق بشيء من العجالة إلى بيان القيادة القطرية المؤقتة لحزب البعث الذي وجهته الحركة التصحيحية إلى إلى جماهير الأمة, معاهدة على تنفيذ برنامج عمل شامل في المجالات الداخلية والعربية والدولية, بما يلبي أهداف الحزب ومتطلبات الشعب . نص برنامج عمل الحركة التصحيحية في المجال الداخلي على حشد كل الطاقات التقدمية والشعبية لمعركة البناء والتحرير, من خلال إقامة جبهة وطنية تقدمية بقيادة الحزب, وتشكيل مجلس الشعب ليقوم بدوره الوطني في التشريع ووضع دستور دائم للبلاد , وإصدار قانون الإدارة المحلية, وانتخاب القائد الأسد رئيسا للجهمورية العربية السورية باستفتاء حر وديمقراطي. تلا ذلك إنشاء التنظيمات الشعبية والنقابات المهنية التي تعطي مجالا واسعا للجماهير في عملية ممارسة الديمقراطية الشعبية المنظمة, وكان الاهتمام بالتعليم من أولى أهداف الحركة حيث صدر قانون الاستيعاب الجامعي, ومجانية التعليم في كافة مستوياته وإلزاميته في التعليم الابتدائي, كل هذا من أجل النهوض بالمستوى الثقافي للمجتمع وقد نجحت الحركة في تحقيق ذلك. في المجال العربي تعهد بيان القيادة المؤقتة للحزب بالتحرك الواسع باتجاه الدول والقوى العربية على كافة المستويات للاستفادة من قدراتها في جميع المجالات التي تعزز استراتيجية الكفاح المسلح وحشد الطاقات العربية في معركة المصير, وأكد القائد الخالد على التضامن العربي كحل مؤقت عن الوحدة العربية التي لم تنضج ظروف إنشائها بعد ولا يمكن أن تجمد الطاقات العربية الضخمة حتى تحقيق الوحدة التي تبدو كحلم بعيد المنال, وكان أولى ثمار ذلك حرب تشرين التحريرية التي أعادت للشعب العربي ثقته بنفسه وبقيادته, وعززت ثقة الجندي العربي بنفسه وبسلاحه وبقدرته على تحقيق النصر على الأعداء مهما امتلكوا من سلاح وعتاد. في المجال الاقتصادي كانت الرؤية صائبة وموضوعية, حيث اعتمد مبدأ التعددية الاقتصادية وتم فسح المجال واسعا أمام القدرات الوطنية مجتمعة للمشاركة في البناء الوطني الشامل من أجل تحقيق تنمية فعلية. وبعد ثمان وثلاثين عاماً على قيام الحركة التصحيحية المباركة نستطيع القول: إن منجزات الحركة وإبداعات القائد الخالد حافظ الأسد لا تزال قائمة بيننا ولم نزل نحصد نتائجها الايجابية إلى يومنا هذا في كافة جوانب الحياة, وهي تترسخ فينا قيما ومبادئ تصلح للماضي والحاضر والمستقبل. هكذا كانت الحركة التصحيحية مشروعاً تنموياً شعبياً بامتياز على كافة الصعد وفي كل الأوقات حيث لم تقف عند حدود معينة أو زمان ثابت بل هي صالحة لكل الأزمنة والأوقات, كما أنها لم تقف عند طبقة أو شريحة من الناس, بل كانت للجميع ومع الجميع ولم يبق فرد واحد من المجتمع لم تطله يد الحركة بالخير, وما تحقق خلال العقود الثلاثة من عمر الحركة كانت كافية لتضع سورية في مصاف الدول المهمة ذات الثقل الدولي المميز حيث لا يمكن لأي كان في هذا العالم أن يتجاهل دورها ومكانتها, وذلك كله بفضل البناء الوطني السليم للمجتمع الذي يرتكز على وحدة وطنية راسخة, معتمدة في تأمين حاجياتها على قدراتها الذاتية وإرادة شعبها الذي يرفض الهوان ويؤمن بقيادته الحكيمة. |
|