تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الأسئلة الجميلة ?!

آراء
الأثنين 17/11/2008
حسين عبد الكريم

في القديم والحديث, في الماضي والحاضر, السؤال الجميل الذي كان لا يتعب ولا ينعس بين المحبين وبين الجيران والأصدقاء والأقرباء والأهل والأبناء:

كيف الحال? كيف الصحة? وكيف الحياة? وكيف النية والأمل والحبّ? وأحيانا يتطور السؤال ويكبر, ويرتدي (بنطلوناً) وقميصاً من مخمل أو كتان أو حرير, فيصير: كيف القراءَةُ ?وكيف الوطن? وكيف الإيمان? وكيف الذين تحبّهم ويصدقونك الحبّ?‏

اليوم تعثّر السؤال الطيب الجميل والراقي بخطا حروفه وحفر معانيه, وانقلب إلى سؤال خسيس وبشع ومنحط: كم بيتٍاً لديك? وكم تملك من المال? وهل أنت مدير أو قائم على الأمور?!‏

وهل تستطيع أن تدبِّر وظيفة لهذه وعملاً لذاك وهل تقبض? وكيف حال جيبك أو جيبتك ?! التذكير أو التأنيث يؤكد أن العيوب تحتمل المذكرين والمؤنثين...‏

زمان يُحطم أبّهاته الراقية, ويبني أبهات الخراب ويُنشىء عمارات هلاك معناه الإنساني الراقي والرشيق..‏

القرية كانت تفاخر بفلاحيها الجديرين بالحقول وبهجة المواسم وعتابا الاشتياق ونخوة العاطفة وتحطيب الأغصان اليابسة والخنوع والضعف من غابات الأعمار.. والمدينة كانت على شيء كثير من أبّهة العلاقات النفيسة الباهظة المرهونة للخير وأخلاق الحب والتضحية..‏

لكلِّ قرية حكاية حبِّ وصيف وانتظار ولقاء وغرام لا ينتهي..‏

القرى والمدن الصغيرة والكبيرة هل اجتهدت في تحطيم مفاهيمها الكريمة, واستعاضت عن ذلك بأن قضمت أفراح وضوحها ونهارات عشاقها وطيبِّيها?!?!‏

الحوارات الجميلة تحميها النفوس الجميلة واللغة الصادقة الخارجة من القلوب إلى القلوب.. كأن القلوب قدَّمت استقالتها من استثمارات الأشواق الراقية, واعتزلت فنَّ اللهفة وانتظار المحبوبين, وتركت مزاولة النبض العاشق, وهذا ما دمر القلوب وأفقدها هيبة وهمّة التدفق والجريان والعذوبة, فيئست من معنى بقائها وانصرفت إلى الجلطات والتوقف البائس..?!‏

ودوران الأرض كدوران القلوب كأنَّه توقف عن فنِّ المواسم والاخضرار.. ومع هذا التوقف توقفت إمكانات الحنين والأسئلة النضرة التي تؤدي إلى إجابات مزدهرة...‏

كيف أحبابك? سؤال نضر يؤدي إلى إجابة: الأحباب طيبون وعلى حالة رائعة من الوفاق والمسرّات.‏

وسؤال: كم بيتاً عندك? وهل بمقدورك (تمشية) الوظائف والقبض عليها? وهل أنت مدير أو قائم على الأمور, حتى يكون بمستطاعك بناء بيت ضخمٍ كالقصر أو كالقلعة?‏

هكذا سؤال مجحفٌ بحقِّ الحياة الحنونة لا بدّ أن يلاقي إجابة يابسة ومجحفة بحقِّ النضارة والازدهار الانساني الحنون.‏

الأسئلة بأهدافها وإجاباتها, وغالباً تعبر عن قلوب وأرواح السائلين .. أسئلة برسم الرضا وثقافة الحبِّ والجمال تحمي كون الإنسان وقلبه وتؤدي إلى بناء النفس وترميم أوجاعها بالشفاء وعافية الأسى والحنين..‏

والأسئلة الدارجة هذه الأيام, لسوء الحظ, تؤدي إلى تدمير عمارات الروح وتعطيل جريان القلب وتساوي الإجابات المجحفة بحقِّ الحبِّ والتآلف النبيل.‏

اعظم الشعر يقاس بالبيت الشعري أو بالشطر منه... بيت شعر يؤلِّف شاعراً لأنه نسغ روحه وسجل ضوء وضوع الشاعر وقلقه..‏

فلا حاجة إلى البيوت المتخمة بعقد النقص والجشع التي تؤلِّف أبّهة الخراب وفظاعة المثقفين بأعمال الطمع الناقصة.‏

أساسات الحبِّ بسيطة ومنيعة..‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية