تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


التصحيح.. ثورة أم حركة ..?

آراء
الأثنين 17/11/2008
أحمد صوان

يحلو الحديث عن سورية, وعن سياستها وعن مواقفها وعن صبرها وصمودها في ذكرى التصحيح, وفي أي مناسبة أو ذكرى وطنية وقومية, ويحلو الحديث أيضاً عن الشام وهي تقدم الجهد تلو الجهد, والفعل إثر الفعل على أن تظل أرض المقاومة والتحدي وعنوان الفخر والشموخ.

في الذكرى الثامنة والثلاثين للتصحيح المجيد تعود الذاكرة إلى الأيام الأولى أو الأشهر الأولى من التصحيح, إلى ما أعقب تشرين الثاني من العام 1970 من نقاشات ومساجلات ومطارحات فكرية وسياسية فيما إذا كان التصحيح حركة أم ثورة.‏

فهناك من أطلق عليه ثورة منذ الأيام الأولى وهناك من آثر الحفاظ على تسمية حركة تصحيحية لثورة آذار ومواقفها وسياستها وتفاعلها أو علاقاتها العربية والدولية وثمة طرف ثالث قال: انتظروا ولو سنوات قليلة لنقف على دلالات وابعاد التصحيح فيما إذا كان ثورة أو حركة.‏

وأذكر أيضاً أن المرحوم الأستاذ أحمد اسكندر أحمد في إدارته لمؤسسة الوحدة ورئاسته لتحرير جريدة الثورة قد وقف وراء هكذا حوار بل وشجعه بين المفكرين والمثقفين والإعلاميين من أجل توضيح أهداف الحركة التصحيحية المجيدة قبل أن ينتقل زميلاً في مرتبة وزير الإعلام في آب عام 1974.‏

وما إن مضى عامان على التصحيح حتى تحقق ما يطلق عليه بالإجماع على أن ما جاءت به الحركة التصحيحية يدخل في باب الثورة وفصولها ووقائعها وآفاقها, ويكفي القول هنا إنه لم يمض عامان إلا وكان الدستور الدائم قد وضع وأقيمت الجبهة الوطنية التقدمية وعادت الانتخابات إلى مجلس الشعب ووضعت خطط التنمية وتم ربط التعليم باحتياجات المجتمع وتطوره وأطلقت الإرادات الحرة من أجل المشاركة الفعالة في القرار السياسي والوطني والسيادي, فكان الفلاحون والعمال وفي ضوء صون حقوقهم, هم أصحاب المصلحة الحقيقية في أي قرار يتخذ, وفي العام الثالث جاءت حرب تشرين لتكون امتداداً تحريرياً للتصحيح في عمقها العربي, وفي أبعادها الفلسطينية حرب أرادتها سورية بالتصحيح حرب تحرير, وحافظت على روحها ومضامينها في مواجهة حروب التحريك التي أعقبتها للنيل منها ولضرب أهدافها وانتصاراتها لكن لم تفلح كل هذه المحاولات وظلت حرب تشرين إلى الآن الرمز والعنوان لقدرة مقاتلنا ومقاومنا على التصدي للعدو والعدوان ودحره وهزيمته قبل التصحيح, كانت سورية مركز صراع عبر عنه وفي مؤلف هام لباتريك سيل على أنه صراع على سورية, دولة لا وزن لها ولا أحد يحسب لها أي حساب وبعد التصحيح باتت سورية الرقم الأصعب في كل معادلات موازين القوى والنفوذ باتت مرهوبة الجانب قوية بقيادتها وبوحدتها الوطنية وتمسكها بالمواقف والثوابت الوطنية القومية, وضعت خطوطاً حمراً لا يمكن لأحد القفز فوقها أو المساس بها, رفضت سياسة الترهيب والترغيب والتنازلات والمساومات فأصبحت دولة محورية إقليمية ومركزية لها سياستها التي تنطلق من رؤى وطنية وقومية ومن المصلحة العليا للشعب العربي ولأمتنا من الماء إلى الماء.‏

وفي التصحيح سنتذكر مقولات نرددها وكأنها جزء من صميم مواقفنا وقناعتنا, قالها بكل وضوح الرئيس الراحل حافظ الأسد وفي مناسبات كثيرة مثل :إن القدس قبل الجولان ... فلسطين هي الجزء الجنوبي من سورية ... الجولان في قلب الوطن وإنه لا يجوز أن نورث الأجيال القادمة اتفاقيات منقوصة وأن (نشرعن) الاحتلال إذا لم يكن بمقدورنا إزالته ودحره, وإن علاقات سورية تجاه أي دولة تنبع من موقف هذه الدولة من القضية الفلسطينية.‏

وتمضي السنوات, وتأتي التطورات والوقائع لتثبت مصداقية السياسة السورية وعقلانيتها, وهي السياسة التي لم تنجر أبداً لما يسمى بالواقعية السياسية أو سياسة الأمر الواقع, ولتبثت أيضاً أن القوة لا تصنع حقاً, بل إن الحق هو الذي يصنع القوة, وإن الفرق كبير جداً بين حق القوة وقوة الحق, وكبير أيضاً بين الإرهاب والمقاومة, وبين السلام والاستسلام, بين الرؤى التي تجد أرضية لتتحقق والأحلام التي تذهب أدراج الرياح, أو على الأقل تبقى أضغاث أحلام, وسراب في سراباً, ووهماً على وهم.‏

سورية وحدها من قرن القول بالفعل وربط بين مواقفه السياسية, بإمكانات وقدرات تستطيع أن تحيل هذه المواقف إلى وقائع على الأرض, ونجحت في ذلك, وها هي اليوم أيضاً وبعد أن دخلت القرن الحادي والعشرين, مع بدء الألفية الثالثة بثورة تجديد التصحيح بقيادة السيد الرئيس بشار الأسد تنجح في أن تكون الرقم الصعب في معادلات المنطقة, وتنجح كذلك في رفض الحصار والعزلة والمقاطعة, بل وفي إسقاط كل من أراد لها أن تحاصر, وأن تعزل, وأن تقاطع.‏

إن ثماني سنوات ونيف , خلال ثمانية وثلاثين عاماً, تضعنا وعلى الفور أمام حقيقة هامة وكبيرة, وهي أن سورية القوية بأبنائها ووحدتها الوطنية, والشامخة بمواقفها وثوابتها على المستويين العربي والدولي, والملتفة حول قيادتها التاريخية, قيادة الرئيس بشار الأسد, كما كانت ملتفة حول قيادة الرئيس الراحل حافظ الأسد..‏

إن سورية هذه لا تعرف المستحيل لأنها قادرة, وقد فعلت, على صنع المعجزات, وها هو التاريخ يكتب ويسجل, فصاحب كتاب (الصراع على سورية) باتريك سيل, عاد وكتب عن سورية في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد مؤلفاً ضخماً في أواخر الثمانينات بعنوان (الأسد.. الصراع على الشرق) وحين سأل الرئيس الأسد عما يمكن أن يختتم به كتابه, أجابه: (قل إن الصراع لا يزال مستمراً), لكن هذه المرة ليس على سورية, بل إن سورية هي قطب هام في هذا الصراع على الشرق الأوسط, لأنها مفتاح الحل, وهي جزء أ ساسي من هذا الحل.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية