تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


من واقع الألم

معاً على الطريق
الاثنين 18-8-2014
أنيسة عبود

الشاب الذي ارتدى قميصه الأبيض ووضع العطر ونزل إلى الشارع صبّح على جاره واتجه إلى عمله في المبنى الحكومي .هذا الشاب الأنيق هو الذي يخرج ليلاً مرتدياً ثياباً سوداء وأفكاراً سوداء ..

ويرى الناس كلهم بوجوه سوداء لذلك يحمل رشاشه ويطلق الموت حتى على جاره الذي صبّح عليه ذات صباح .‏

................................‏

أما الشاب الذي يرتدي قميصاً بحرياً بلون البحر ويقرأ مايكوفسكي ويتحدث كثيراً عن البيروقراطية ..وينادي بحرية المرأة ويدعو إلى مجتمع علماني يكون فيه الوطن للجميع . هو الذي ارتدى جلباباً قصيراً وشملة سوداء وقناعاً أسود ثم ذهب إلى البحر ، نفض أفكاره في الماء ومشّط أصابعه من صوت ( مايكوفسكي ) وأرسل صرخة إلى الغرب الإنساني ؟؟ ليرسل له السواطير ، فقد اجتاحته رغبة التغيير ويريد قطع الأفكار القديمة من جذورها لكن ذلك لا يتم إلا بقطع الرؤوس الحاملة لهذه الأفكار .. أول رأس قطعه كان رأس زميله ..بعد ذلك قطع رأس جندي كان يحرس شمس المدينة من اللصوص وعندما لم يجد من يقطع رأسه حزّ ساطوره في رأس أمه ، حاول أن يدفن الرأس لكنه لم يستطع ..تساقطت دموع الأم فهرب الشاب إلى كروم الزيتون يقطع الأشجار والأفكار و يضرم النار ..عندما انطفأت النار اشتعل جسد الشاب .فبكى رأس الأم المقطوع وصرخ ..أتذبح أمك ؟‏

أليس الوطن أمنا ؟‏

.........................................................‏

حين وجدوها مقطوعة الرأس في بيتها الريفي في ضواحي حلب ..كان ابنها يحبو في أرض الدار بعيداً ، لكن ثيابه مصبوغة بالدم .‏

وحين وجدوا الجدة مبقورة البطن وجدوا شجرة توت يابسة على طرف المصطبة .‏

أما الصبية التي كانت مختبئة في كيس التبن فقد وجدوا الحبل الذي خنقت نفسها به خوفاً من وحوش الحرية .‏

وفي شرفة من شرفات البلد تدلى جسد المرأة الأم من الطابق الخامس ..كانت عارية إلا من الحبل الملفوف على رقبتها .‏

......................................................................‏

من قال إن المرأة لا تقوى على القتل ؟ قد يكون ذلك في بلدان أخرى . لكن في سورية يوجد نساء ( دباحات ) يحملن الساطور ويقطعن الرؤوس والأجساد ويبعنها لرجال الحرية الحمراء ..لدرجة أن إحداهن لقبت بأم دباح إلى أن ذبحت ابنها وتلذذت بتقطيع أوصاله ولم تعرف إلا بعد أن راحت تأكل قلبه ..انتفض القلب وقال أنا ابنك .‏

............................................‏

والمرأة السورية أعطت النموذج العظيم في النضال والدليل على عظمة هذه المرأة أنها ساهمت في ( جهاد النكاح ) فهل سمعتم عن جهاد على وجه الأرض مثل هذا الجهاد ؟ جهاد ضد نفسها أولاً وضد كرامتها وضد شعبها وبلدها ودينها وإنسانيتها ..فهل مازالت باغية المعبد تتوالد ولا ندري ؟‏

.....................................‏

في مقابل باغيات المعبد ..هناك قديسات الوطن ..نساء طاهرات نقيات صابرات على البلوى ..يودعن الولد ويصبرن ، ويودعن الزوج ويصبرن ..خنساوات جديدات ..وزينبيات جديدات تنحني لهن هامات الرجال لأنهن أنجبن الرجال الذين عاهدوا الله والوطن وصدقوا ..لكنّ أيتها النساء المجد ولكنّ التاريخ الذي لن ينسى ..سجّل أيها التاريخ أن بعض الأمهات استشهد ثلاثة من أبنائهن وأحياناً أربعة ..ومازلن على الصبر والوعد ..سجل أيها التاريخ أن بعض أبناء الوطن ذبحوا الوطن .وبعضهم ذبح من أجل الوطن .‏

................................................‏

قيل له ستذهب غداً إلى المليحة ..لكنه غادر إلى قريته ..زار قبر أخيه الشهيد وقرأ الفاتحة ..دار في أرجاء المنزل وأشبع نظره من وجه أمه وأبيه ..وعندما همّ بالمغادرة لبس أجمل ثيابه وتعطر بعطره الذي يحبه .نظر من النافذة إلى البحر القريب ثم قبّل يد أمه وقال لها ضاحكاً : خذي قبلة من ابنك المسافر لأنك لن تريه بعد الآن ..صرخت أمه ..يكفيني شهيد واحد ..لكن حسام ودّع الجميع بثبات ومضى .في نفس اليوم استشهد الشاب . وفي الصباح أعادوا حساماً إلى أمه ليغفوا قرب أخيه .بينما كان صوت القائد العسكري يعلن عن تحرير المليحة من الهمج .‏

.................................................‏

ليتنا حررنا أرض فلسطين وأرض لواء اسكندرون .. ليت هذه الدماء سالت في الجولان ولم تسل في المليحة وغيرها ..لكن يبدو أن الطريق إلى الجولان يمر بالمليحة وعلى طرفيه دماء شباب كالورد كبروا ليكونوا ورد الوطن .‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية