تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


في ذكرى رحيله .. العقـــــــاد ومعــــــــاركه النقــــــــديّة..؟

ثقافة
الاثنين 25-5-2009
ممدوح سكاف

كانت شخصية شوقي عاملاً مهماً في معارك النقد التي أثيرت حول شعره، فلقد كان الرجل يخشى النقد خشية شديدة ويترضى نقاده بمختلف وسائل الإرضاء، قد سخر لنفسة صحفاً ومجلات تدافع عنه وتعيد نشر شعره القديم،

وراح الكتاب الشباب في فترة صعود نجمه أو أفوله يلتمسون من نقده وسيلة للشهرة أو للكسب وهكذا ظل شعر شوقي موضع نقد الناقدين قدحاً وذماً أو تقديراً وتبجيلاً طوال حياته وقد شارك كتاب مصر الكبار في التطرق إلى شعر شوقي وانتقاده والهجوم عليه وفي مقدمتهم طه حسين والعقاد والمازني ومحمد حسنين هيكل وغيرهم، إلا أن معظمهم لم يلبثوا بعد وفاته أن عادوا إلى إنصافه وخففوا من غلواء آرائهم القديمة في قصيده وقريضة وردوا الاعتبار له كقمة من قمم الشعر العربي في عصر النهضة العربية.‏

ولكن السؤال المطروح هو: هل كان شوقي يرد على نقاده؟‏

من المعروف أن «شوقي» لم يكن يواجه مثل هذه الحملات الموجهة ضد شعره وضد شخصه بالرد الصريح بل كانت له كما أسلفنا صحف وكتاب ينفق عليهم مثل مجلة «عكاظ» لصاحبها الشيخ فهيم قنديل وقد واجهت هذه المجلة ظهور كتاب «الديوان» الآنف الذكر بحملة متصلة تحت عنوان «القافلة تسير» في عشر مقالات بأسماء (النزلة الأولى، الثانية، الثالثة الخ..) حررتها إدارة هذه المجلة بقلم رئيسها قنديل ووسمت فيها «العقاد والمازني» باسمي «البربري والقزم» وقالت «عكاظ» إن من أكبر أخطائها أنها هي التي أخرجت للناس هذين الكتابين من حشرات الأرض أردنا أن نمهد لهما طريق الرزق وأن نخرجهما من حياة البطالة والكسل ونعودهما العيش في طرف الشرنقة واحتملنا في سبيلها وفي سبيل ما كانا ينشرانه من المطاعن والمثالب فلما امتلأت البطون ظهر اللؤم والانحطاط ما نسي الناس من شيء فلن ينسوا طيش المازني وخفته ولا رعونة العقاد وحماقته..‏

ثم أشار صاحب مجلة عكاظ إلى هذين الحاقدين على شوقي الآن كانا يمدحانه ويقرضان شعره سابقاً بعد أن استخدمهما حافظ ابراهيم للنيل من النبوغ والعبقرية ومن فخر الناطقين بالضاد في ذات أمير الشعراء شوقي وأوضح قنديل (أن شوقياً لم يكن يغتبط بمديح العقاد له قبلاً بل غضب وتألم، ولم يشعر بذمه الآن بل ضحك وابتسم).‏

وتابع هذا الشيخ يقول «إن العقاد والمازني يطمعان في الشهرة ويدعوان إلى مذهب لا يعرف ويقولان شعراً لا يفهم ونثراً لا يهضم ، وأنهما يهاجمان شوقي وشوقي لا شاعر مثله اليوم، وأنه ليس بحاجة إلى التنويه بمجده ولا الدفاع عن شعره ثم قال قولاً لشوقي أنا لا أدفع أجراً لمن يمدحني ويطعن في غيري ثم زعم أن ذنب شوقي في نظر صاحبي كتاب «الديوان» أنه لا يدفع لهما أو لغيرهما ممن يمتدحونه.‏

وفي إحدى مقالات الشيخ قنديل أو نزلاته يفند آراء العقاد والمازني في نقد شعر شوقي وأضرابه فيقول «حسبت أن هذين الشتامين ينقدان شوقي فإذا بحثت عن قياسهما وحجتهما وجدتهما يتهمان الشعر العربي كله بالقصور والضعف ، فإذا شئت أن تصل إلى غاية هذين «الناقدين» فانظر إلى القياس الذي جعلاه حداً بينهما وبين الشاعر تراهما لا يقيسانه بقياس عربي ولا بأصول معروفة يقاس بها شهراء العرب عامة، ولو اتبعنا طريقتهما في النقد وأتينا بكثير من شعر المتنبي ومعانيه وأخيلته وكلفنا من ينقلها (يترجمها) إلى الأوروبية بلغته وجعلنا حسن استقباله إياها موقوفاً على أنه لا ينكرها لقلب القياس واتهم العرف وأنكر أكثر الشعر العربي.‏

بعد وفاة أحمد شوقي عام 1932 عدل العقاد رأيه في شعر هذا الشاعر الذي كان قد تناوله سابقاً في التبضيع والتجريح فكتب يقول: هو إمام مدرسة نستطيع أن نسميها بمدرسة التقليد المبتكر أو التقليد المستقل ، لم يكن شوقي من الذين يلتزمون حدود المحاكاة الشكلية ولا يزيدون بل كان يقلد ويتصرف وكان تصرفه يخرجه من زمرة الناقلين الناسخين ولكن لا يسلكه في عداد المبدعين الخالقين، وخلاصة القول فيه إنه مبتكر مقلد، فلا هو يقتفي آثار الأقدمين ولا هو ينفرد بملامحه الشخصية في التعبير عن نفسه أو التعبير عن سواه.‏

وكذلك عدل المازني رأيه في شعر شوقي بعد موته فقال: إن شوقي كان من أنضج شعراء طبقته وكان أدقهم تعبيراً وأبلغهم ومازال رأيي في شعره كما كان وهو أنه كان في صدر حياته أشعر منه في أخرياتها، ولكنه في العهد الأخير من عمره كان أبلغ عبارة وأعلى بياناً وأنه كان ذا حيوية عجيبة ومن ذلك أنه اقتنع في شيخوخته بأن نظم القصائد على الطريقة القديمة التقليدية عبث وباطل فتحول إلى وضع الروايات الشعرية التمثيلية وطمع أن يكون في الأدب العربي كشكسبير في الأدب الانكليزي رحم الله شوقي فقد كان عنواناً ورمزاً لمصر في الشرق العربي كله وأكبر ظني أن اسمه سيظل مذكوراً في تاريخ عصره مهما بلغ اختلاف الناس في أمره.‏

عداوة العقاد المفرطة للشعر الجديد‏

وعود على بدء ومتابعة لقضية التقليد والتجديد في الشعر العربي الحديث يحق لنا أن نقول إنه من الغريب أو على الأقل اللافت للنظر أن هذه الجذوة المتوقدة في نفسية العقاد وروحيته وفي جنانه وكيانه قد عجزت عن متابعة مسيرة ثورته الشعرية وانحيازه إلى التجديد، فقد عرف عنه في السنوات الأخيرة من عمره عداوته المفرطة للشعر الجديد، شعر التفعيلة، واعتباره له نثراً وإخراجه كلياً من عالم الشعر العربي لأنه لا يلتزم في رأيه بالأوزان الخليلية المعروفة ولا بوحدة القافية ولأنه ينأى عن طرق التعبير السليمة في العربية من حيث ناحية أداء التركيب الشعري ورسم الصورة الفنية، فيعمد بهما إلى الإغراب والشذوذ مما لا يتوافق مع طبيعة السليقة المتداولة للصياغة العربية الأصيلة، وقد رفض حين كان مقرر لجنة الشعر في المجلس الأعلى للآداب في مصر أن يعد كل الدواوين الحديثة في نمطها الشعري المستحدث وشكلها التفعيلي المستجد الواردة إلى هذه اللجنة للموافقة على دخولهما مسابقة بين الشعراء لأنها ليست شعراً في زعمه وهو نفسه الذي كان طوال ممارسته لنقد الشعر ونظمه يدعو إلى تحرير القصيدة العربية من عوائقها، إلا أنه في أواخر حياته نصب شخصه ممثلاً لجيل الشيوخ أمام طموح الشباب فلما برز أصحاب الشعر (الحر) كما كان يطلق عليه آنذاك في تسمية من تسمياته، أحس وهو من لا ينسى ذاته الذاتية أبداً بالبون الشاسع بين تصوره وتصورهم للشعر.‏

لقد أسمى هذا الشكل الجديد للشعر بـ (الشعر السايب) الذي لا قوام له وهاجم أصحابه واعتصم بالإيقاع الرتيب والتزم القافية الوحيدة واستجمع قدرته على المحاجّة والنزال وقراع هؤلاء الخارجين على القانون الشعري المتوارث لطراز القصيدة العربية المعهود حتى آخر نبضة في حياته لكن سنة التطور هي الأقوى والأجدر بالتفهم، فحركة شعر الحداثة التي شن عليها العقاد حربه الشعواء تتمتع منذ نصف قرن مضى بالسيرورة الشعرية في الأوساط الأدبية بين القراء والنقاد وفي حرم كليات الآداب في الجامعات العربية.‏

2/2‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية