تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


سر المهنة

مصارف وتأمين
الاثنين 25-5-2009
د. عبد اللطيف عبود

يرى كثير ممن يتابعون شركات التأمين، سواء بالمصادفة أم عبر العلاقة المباشرة وغير المباشرة مع هذه الشركات، بأن السعر الذي يدفعه المؤمن له للحماية من الآثار المالية للخطر المؤمن ضده،

إنما هو «سر المهنة» فيما يبدو وكأن السعر خارج آلية تكوين أسعار السلع والخدمات الأخرى وبمنأى عن أسس نظرية القيمة وفوق فعل القوانين الاقتصادية. ويتكرس هذا الانطباع من خلال ممارسات شركات التأمين وهي تؤدي نشاطها. وقد تتبلور هذه الممارسة في اتجاهين لهما شكل متناقض ولكن كليهما يشيران إلى غوغائية الأسعار وغياب أسس وضعها وبالتالي يزداد استغراب عمق «سر المهنة» هذا.‏

في الاتجاه الأول يكون سوق التأمين محكوما بوجود شركة وحيدة غالبا ما تكون حكومية أو من مفردات القطاع العام وبالتالي يكون لهذه الشركة حق احتكاري ولذا تفرض أسعار التأمين التي تراها ،ويكون السعر عادة مرتفعا وغير عادل ليضمن في النهاية وفي مطلق الأحوال ربحا تتباهى به الجهة التأمينية أو مرجعيتها ويكفل تغطية الإخفاق وضعف الأداء أو أبعد من ذلك.. ومع أن هذا النمط في طريقه إلى الإنقراض بصورة تامة فإنه عادة ما يخلف وراءه حالة من القطيعة تعبر عن نفسها بانعدام الثقة في التأمين والإحساس بأنه شكل ضريبي غير مموه، كما تتراكم المطالبات والدعاوى القضائية وتضيع الفرصة في تطوير كوادر تأمين حقيقية.‏

في الاتجاه الثاني.. ويكون وليد حالة من تكاثر شركات التأمين حيث يكثر عددها بما لايتناسب مع حجم السوق وتطوره وبذا تقتحم هذه الشركات ميدان التنافس وسلاحها تخفيض الأسعار مسقطة جميع المعايير الفنية والاكتتابية تحت غطاء «سر المهنة»...وتوغل الشركات في تنافسها لكسب مزيد من أقساط التأمين بما يخدم تطلع إدارتها ويحقق زيادة حصتها السوقية، ولكنها تبتعد كثيرا عن تحقيق أي من شروط قسط التأمين الثلاثة وهي الملاءمة والكفاية والعدل.. وفي هذه الممارسة فإن الأطراف التي يلحق بها الضرر هي:‏

شركة التأمين ذاتها فهي تتحمل الخطر مقابل جزء من السعر الصحيح وبالمحصلة فإن محفظة أعمالها ستفتقر إلى التوازن وستفقد القدرة على سداد ما قد يردها من مطالبات ثم تبدأ بخسارة أعمالها وتراجعها وقد تكون مضطرة للاستعانة المكثفة بإعادة التأمين إذا أتيح لها ذلك حتى تتحول إلى ما يشبه وكيلا بالعمولة وفي سعيها لكسب الوقت دون وقوع ذلك قد تلجأ إلى تخفيض مخصصاتها الفنية مما قد يدخلها في نفق يصعب الخروج منه.‏

المؤمن له يرحب بتخفيض قسط التأمين ولكن هذا قد يحرمه من الخدمة التأمينية المفروضة وقد يجد نفسه وهو غير قادر على تحصيل ما يطالب به من تعويضات وفق ماتؤول إليه أوضاع الشركة، وما قد تدخل فيها من مصاعب.‏

سوق التأمين، لأن أسوأ ما يعيق نمو قطاع التأمين ويحد من تطوره حالة انعدام الثقة بين الجمهور وبين الشركات التي تعمل في السوق ولاسبيل لاجتناب ذلك عندما تقدم شركات التأمين نموذجا طيبا في تعاملها، يتبلور بالدرجة الأولى من خلال سدادها السريع والسهل لالتزاماتها قبل المؤمن لهم.. وأن تكون هذه الشركات على قناعة بأنها تخضع لإشراف جهة قادرة على قراءة صحيحة ترصد كل السلبيات وتضع قواعد واجراءات التخلص منها، وهي على ادراك تام للمعنى الكامن خلف «سر المهنة» ....‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية