تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


لماذا تمددت «القاعدة» في الصحراء؟

شؤون سياسية
الاثنين 26-3-2012
توفيق المديني *

أصبحت الفضاءات الواسعة لمنطقة الصحراء الكبرى وساحل غربي إفريقيا، المناطق المفضلة لنشاط تنظيم القاعدة، بعد أن تعرض لضربات موجعة في المواجهات الدامية مع الجيش الجزائري والأجهزة الأمنية، الأمر الذي دفع عناصر التنظيم إلى اللجوء إلى منطقة الساحل الإفريقي خارج الحدود الجزائرية. وهناك أسباب في تحول نشاطه هذا.

أولا: إن بلدان الساحل الإفريقي والصحراء الكبرى التي تضم كلا من مالي، والنيجر وتشاد، وموريتانيا لا تمتلك قوات عسكرية متمرسة على خوض الحرب ضد التنظيمات الإرهابية، مثل الجيش الجزائري الذي يمتلك خبرة واسعة في هذا المجال. وتواجه دول الساحل أكبر التحديات المتمثلة بالمساحة الشاسعة لهذه المنطقة التي تربو على 660 ألف كيلومتر مربع ، إضافة إلى أن المنطقة صحراوية ووعرة لها جغرافية معينة، تحتاج إلى دراسة مكثفة لمعرفة خباياها و نقاط تمركز عناصر «القاعدة» فيها ، وهو مايُلزِمُ الدول المعنية بالبحث عن طرق كفيلة بمطاردة عناصر«القاعدة» و إيجاد مناطق تموضعها، لا سيما إلى أن كل التقارير تشير إلى أن عناصر «القاعدة» لا تتمركز في مكان معين ، مستغلة التمويه.‏

ثانيا: إن تنظيم «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» الذي كان متمركزاً في منطقة القبائل الكبرى في الجزائر في بداية الألفية الجديدة، كان مكلفاً من قبل تنظيم «القاعدة» الأم بإنشاء مراكز له في منطقة الصحراء والساحل الإفريقي.‏

ثالثا: منذ أن أعلن تنظيم «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» انضمامه إلى تنظيم القاعدة الأم في 2 نوفمبر 2006، وأنه غيّر اسمه ليصبح تنظيم «قاعدة الجهاد ببلاد المغرب الإسلامي»، وتكرّس ولاؤه لأيمن الظواهري الذي حمّله بدوره شرف قيادة وتنسيق عمل القاعدة الأم في بلاد المغرب العربي، بعدما انضوى تحت لوائه باقي الجماعات الإسلامية المتشددة في البلدان المغاربية، والتي أجمعت على التكاتف والاتحاد، توقع خبراء مكافحة الإرهاب وقوع الأسوأ في منطقة الساحل الإفريقي والصحراء الكبرى.‏

رابعا: خلال السنوات القليلة الماضية ضاعف تنظيم «القاعدة» من عملياته العسكرية في هذه الصحارى الشاسعة، التي تحولت إلى مناطق خطيرة جدا من العالم، حيث تتقاطع وتتشابك فيها مصالح الإسلاميين المتشددين، ومهربي المخدرات والسجائر، والمهاجرين السرّيين، الذين يحمي بعضهم بعضاً. وذلك أن الجامع بين نسيج هذه المنطقة كلها، هوية شعبها «العربي والطارقي»، ونمط حياة بدائية، عمودها الماشية، مع نشاط ضعيف للأسواق المحلية، التي تعيش على البضائع المهربة من الجزائر في أغلب الأحيان.‏

وتفتقر هذه المنطقة الشاسعة للمشاريع التنموية ، إضافة إلى أنها تعيش في ظل فراغ أمني، حيث لا يوجد في تلك الأقاليم، ما يستدعي حضور أي حكومة، وأغلب الأهالي يحتكمون إلى الأعراف الاجتماعية التي كانت سائدة حتى قبل الاستعمار. أما الفساد الذي يرمز إليه السكان في تلك المناطق الصحراوية الشاسعة بقصصهم العجيبة ، لا يستثني أي إدارة في تلك الناحية، فإضافة إلى الفقر الشديد الذي غيب الذمم، تذمر السكان، من توزيع فرص التنمية بشكل غير متوازن. فكل وزير، أو صاحب ولاية، يعتبر أن ما يديره هو ملك شخصي له، وعلى من يريد نيل نصيبه أن يدفع «الرشوة».‏

في وضع كهذا يقول الباحث المتخصص في القاعدة :إبراهيم سنغاي «بوسع القاعدة، أن تسير الحكومة نفسها من الباطن. ناهيك بالمستضعفين من البدو وأبناء القرى، الذين ليست لديهم حيلة، ويرتعبون لمشاهدة أي غريب، وثمن ماشية أحدهم أو مزرعته، لا يتجاوز ألف دولار. في حين تملك «القاعدة» ملايين الدولارات تحتار كيف تصرّفها، من وفرة السيولة النقدية بفضل ملايين الفدى!»‏

وإذا كانت ثمة حقيقة غير قابلة للجدل كما يقول أحمد بن حمتا، فهي أن «الذي يملك المال أولاً ثم القوة ثانياً، هو من يحكم الصحراء والمسؤولين عن الصحراء في حكومة مالي والنيجر على وجه التحديد، فالإشاعة المعلنة بين الأهالي أن «القاعدة» تدفع لمن يقدم لها خدمة مهما صغرت، بغير حساب. أما من يحاول معارضتها أو مناكفتها، أو التحريض ضدها، فإن مصيره لا محالة هو القتل، كما فعلت في الشتاء الماضي بحق ضابط من عرب تمبكتو أردته قتيلاً وسجلت القضية ضد مجهول.‏

فقد شهدت منطقة جنوب الجزائر ، و المناطق المتاخمة مع موريتانيا، ومالي، و النيجر ، خلال السنتين الماضيتين مسرحاً لعمليات خطف لسياح غربيين، أصبحوا يشكلون موردا جديدا و رئيساً لتدعيم تنظيم «القاعدة»، وهو ليس متوافراًفي الشمال بسبب الإجراءات الأمنية المتشددة و الناجحة في الجزائر. هذا الواقع امتد في الفترة الأخيرة إلى مالي، التي كانت ترفض الانخراط في الحرب ضد الإرهاب خشية أن تتعرض للاستهداف من قبل تنظيم «القاعدة»، رغم المساعدة اللوجستية التي تلقتها من فرنسا والولايات المتحدة.‏

تتجنب «القاعدة المواجهة العسكرية المباشرة مع الجيوش النظامية في منطقة الصحراء الكبرى، إذ تركز على القيام بعمليات إرهابية، أو القيام بأنشطة تجلب انتباه العالم الخارجي، لا سيما في ظل تعددية وسائل الإعلام النيوليبرالي المتعولم وقدراته على التأثير في ترسيخ وهج «القاعدة».لهذا السبب بالذات ركزت «القاعدة» على خطف السياح الغربيين ، باعتباره الوسيلة الرئيسة لتمويل جزء من أنشطتها ، ويغذي خطابها على شبكة الأنترنت.‏

وفقاً لهذه الرؤية، حققت القاعدة نجاحاً حقيقياً، من خلال خطف 80 سائحاً غربياً منذ 2007،وقبض فدية بقيمة 183مليون يورو، وهو الأمر الذي دفع إلى فروعها إلى المزاودات في هذا الشأن. فهاهو تنظيم«التوحيد و الجهاد في غرب إفريقيا»ينفذ مع بداية شهر آذار الجاري، عملية انتحارية بسيارة مفخخة في مركز للدرك الجزائري في مدينة تمنراست، أقصى الجنوب الجزائري،و أدّت إلى مقتل 10 أشخاص و إصابة 24شخصاً بعضهم في حالة صحية حرجة. وقد تم إنشاء تنظيم «التوحيد و الجهاد في غرب إفريقيا» في كانون الأول 2011، ويعتقد خبراء أمنيون في منطقة الساحل الإفريقي، أن هذا التنظيم الجديد يعمل لحساب «القاعدة ويقوده موريتانيون و ماليون. وقد أعلن مسؤوليته مؤخراَ عن خطف 3 رعايا غربيين (إيطالية وإسبانيان) من منطقة «تندوف» حيث تتواجد مخيمات جبهة البوليساريو، و أصبح يطالب بفدية قيمتها 30 مليون يورولإطلاق الرهائن.‏

لقد كانت الصحراء دائماً منطقة للتبادل أو لعقد الصفقات.فمن خلالها تمر أطنان الكوكايين القادمة من اميركا الجنوبية و التي يتم إنزالها على السواحل الإفريقية قبل أن تتجه إلى أوروبا . وأفادت وكالة الامم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة إنه يتم كل سنة تصدير ما بين خمسين إلى ستين طنا من الكوكايين القادم من اميركا الجنوبية وما بين 30 الى 35 طناً من الهيروين الافغاني القادم من شرق افريقيا إلى أوروبا مروراً بغرب إفريقيا والساحل والصحراء.‏

و تتبع طرق التهريب الطرق عينها التي كانت القوافل تسلكها في الماضي، لكن الظروف في الوقت الحاضر تغيرت.وهناك شبكات تهريب متخصصة تسهر على التموين ، وتحدد مواعيد لكي تقدم براميل البنزين لسيارات المهربين . حتى الأسلحة يتم استئجارها في الصحراء.و الأموال التي تجمع من خلال هذه الأنشطة تعد بمئات «الاف الدولارات».‏

ويؤكد الخبراء الأمنيون الفرنسيون و الجزائريون و غيرهم من الدول الغربية،أن القاعدة تعرض حمايتها على العصابات التي تهرِّب المخدرات عبر الصحراء ، إذ تضمن عبور قوافل الكوكايين والهيروين المتوجهة إلى أوروبا وتجبي عليها الضرائب.وتضيف هذه المصادرالأمنية إن «القاعدة» لا تزال حتى الآن مجرد مقدمي خدمات تجذبهم ما تدره هذه التجارة من أرباح ، رغم أن هذا العمل يحرمه الإسلام.‏

 كاتب تونسي‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية