تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


عندما يقر جوبيه بحقيقة مخاطر دعم الإرهاب في سورية!!

شؤون سياسية
الاثنين 26-3-2012
د. محمد البطل*

تناقلت وسائل الإعلام الفرنسية، مؤخراً، تصريحات لوزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه، تؤشر إلى «تبدلات» ما أولية، تجاه الأحداث الجارية في سورية، وتتزامن مع بدء مهمة المبعوث الدولي – كوفي عنان (أمين عام الأمم المتحدة السابق)،

وتترافق مع مواقف دولية، إقليمية، عربية باتت أكثر إقراراً حول طبيعة وحقيقة ما يجري في سورية والتي أكد فيها مخاطر تسليح المعارضة في سورية.‏

تصريحات جوبيه المتأخرة جداً، تأتي بعد نحو عام على بدء الأحداث التي شهدتها ولا تزال سورية، وقبيل أسابيع من مغادرته مقر وزارته (وفقاً لاستطلاعات الرأي العام المتعددة، التي تؤكد خسارة الرئيس نيكولا ساركوزي، وسقوطه في الانتخابات القادمة)، إذ حاول جوبيه وطاقمه الوزاري، وكذلك رئيسه، ومنذ الأسابيع الأولى للأحداث السورية التأكيد على قرب التغيير في سورية، وتزامن ذلك مع محاولات رسمية فرنسية رفيعة المستوى (شارك فيها جوبيه) هدفت إلى توحيد قوى «المعارضة» السورية الخارجية والداخلية على اختلاف توجهاتها وأهدافها.‏

فقد أعلن جوبيه في تصريحاته أن (تسليح المعارضة سيلقي سورية في حرب أهلية، حرب ستكون مرعبة)!، واستبعاده ولو «نظرياً» تسليح المعارضة، أو تسهيل ذلك بقوله: (حتى لو تسلحت المعارضة فإنها ستكون عاجزة عن التغيير بسبب الخلل الفادح في ميزان القوى لصالح الدولة السورية). وأما التدخل العسكري (تكرار السيناريو الليبي)، فلا مكان له بسبب تعقيدات الأوضاع المحلية والإقليمية والدولية. وإقرار جوبيه بإخفاق جميع محاولات توحيد «المعارضات» السورية، وهو الذي عمل جاهداً، في لقاءات باريس، أو من خلال الاستعانة بدول أخرى على محاولات توحيدها وفشل في ذلك. وتترافق تصريحات جوبيه هذه مع مصادر فرنسية أخرى تشير إلى إمكانية الاكتفاء بقرار دولي ذي طابع إنساني يساوي في إدانته للعنف من جميع الأطراف!!، أو ربما بيان رئاسي غير ملزم يصدر عن مجلس الأمن الدولي مقابل تجاوز الفيتو المزدوج الروسي – الصيني.‏

ويشير جوبيه في معرض تصريحاته إلى خطأ تقديرات فرنسا (الخارجية، الرئاسية، الأمن الخارجي.. الخ) حول قوة النظام السوري وتماسكه، وبخاصة أجهزته الحكومية، العسكرية، والأمنية، مقابل استمرار تشتت «المعارضة». ونضيف من جانبنا: إن هذا الإقرار المتأخر، قد جاء قبيل الانشقاق الأخير في مجس اسطنبول وخروج عدد من قيادته، فضلاً عن بروز تشكيلات جديدة تمثل رموزاً غير فاعلة جماهيرياً في الوضع الداخلي السوري.‏

وإذ يقر جوبيه بهذه الحقائق، على أهميتها، فإنه لم يشر ولو بكلمة واحدة إلى العمليات الإرهابية، التي روعت المدنيين، واستهدفت كذلك مؤسسات الدولة وأجهزتها، وارتباط فاعليتها، أو القائمين على تنفيذها بـ «معارضات» تدعو علناً إلى المساعدة في تسليحها، وإدامة الهجمات المسلحة الإرهابية، في الوقت الذي لا تزال فيه باريس، ورغم إقرار جوبيه بصمود دمشق عاماً كاملاً، وتأييد غالبية مواطنيها للدولة، أحد المراكز الدولية والإقليمية، التي تستضيف قادة هذه «المعارضات».‏

الأمر الذي يطرح على حكومة جوبيه والمقررين فيها، وفي مقدمتهم ساركوزي إعادة النظر في التعاطي مع سورية وقيادتها من جهة، كذلك في كيفية التعامل الفعلي مع المبادرات الروسية– الصينية وغيرها، التي ترفض التدخل الخارجي، وتستنكر العمليات الإرهابية، وتطالب بوقف العنف عموماً، وتدعو إلى حوار سوري وطني شامل من جهة أخرى.‏

كذلك التعامل الإيجابي مع مهمة كوفي عنان، وليس تعطيلها، أو عرقلتها، بعد أن أفشلت «الجامعة العربية» مهمة بعثة المراقبين العرب، التي تعامل معها سلباً بعض ما يسمى «المعارضة» وبدأ العديد من قادتها يتحدثون مبكراً عن صعوبة مهمة عنان التي رحبت بها دمشق واستقبلت قبل أيام قليلة طلائع موفديها.‏

أما التفجيرات، على الرغم من وحشيتها وما تمثله من أعمال إرهابية تضر بالوطن والمواطن أولاً، فإنها تزامنت مع مجيء بعثة المراقبين العرب بقيادة الفريق الدابي من جهة، ومع بدء مهمة عنان من جهة ثانية، الأمر الذي يكشف زيف ادعاءاتها حول «الديمقراطية» والإصلاح. في الوقت الذي تواصل فيه القيادة السورية تنفيذ برنامجها الإصلاحي، وفق الآليات المطروحة حكومياً وشعبياً، والتي تخدم سورية وطناً وكياناً وشعباً.‏

فهل يمثل إقرار جوبيه «المنقوص» والمتأخر جداً مدخلاً لتغيير في الموقف الفرنسي الرسمي، يعكس نفسه في خطوات عملية، بعد أن أشارت موسكو، وعلى لسان وزير خارجيتها سيرغي لافروف، بأن روسيا بدأت تلمس تغيراً في المواقف الدولية، باتجاه اعتماد الحلول الواقعية والمتوازنة، التي حرصت موسكو وبكين وأصدقاؤهما على التمسك بها منذ بدء الأحداث في سورية.‏

وهل سيؤدي هذا الإقرار إلى تعامل آخر مع ما يسمى «المعارضات» وخاصة الخارجية منها، أو من العصابات المسلحة وممارسة هذا الإقرار عملياً؟‏

*‏

باحث في الشؤون الدولية‏

Batal-m@scs-net.org

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية