|
ثقافـــــــة المتشابكة التي أقلقت الإنسان وما تزال تقلقه وتزعجه ذهنيا ووجدانيا وحركيا ولا تتركه يحس بنعيم التروي والاستقرار والتأمل اضافة إلى عامل السرعة الذي يستوجب قراءة النصوص القصيرة جدا والابتعاد عن كل الإسهابات. وكان للقصة السورية القصيرة جدا خصائص ميزتها عن غيرها حتى اصبحت لها هوية خاصة تعرف من خلالها فالقاص محمد قرانيا اعتبر في حديث لوكالة سانا أن القصة القصيرة جدا هي نتاج موهبة معبأة بالثقافة والتجارب وعليها تراكم نتاجات أدبية مختلفة لأنها يجب أن تكون مكثفة ولا تتطرق بصورة مباشرة إلى مقاصدها وتخفي في داخلها القيم الفكرية والوجدانية والحضارية خلال ومضات كتابية فيها غرابة وإيجاز وتقدم الفكرة في صورة رمز مليء بإيحاء ولغة شعرية أو لوحة واقعية قريبة من التسجيلية. وأشار قرانيا إلى أن موضوع القصة القصيرة جدا يمكن أن يكون مطروقا لكن بطريقة جديدة في الثقافة بحيث تحمل الإثارة والدهشة لأنها كائن يعتمد على السرعة والتصوير الفني بغية التسلل إلى الوجدان ومخاطبة العقل والفكر حتى تبعث في القارئ حالة عاطفية مليئة بالدلالات الحضارية عبر حبكة تلح على القيمة الانسانية في هذا العصر ومن المفترض أن تكون القصة القصيرة جداً مرايا تعكس أنفسنا ووجوهنا على حقيقتها وتضع أصابعنا أمام عيوننا مباشرة. وأكد صاحب /أنت أحلى/ أن القصة القصيرة جداً لا تحقق نجاحا ولا وجودا ما لم تمتلك أسس البلاغة الإيجاز مع القدرة الفائقة على البقاء فهي تعمل على اثبات وجودها رغم أنها تتراوح بين الصعود والهبوط لأنها مغامرة العصر ولا يمكن أن تحقق نجاحا دائما. أما القاص باسم عبدو فيرجع الاهتمام بالقصة القصيرة جدا إلى أن الإيجاز بات أحد المطالب الأدبية حول العالمية فلم تعد النصوص الطويلة مناسبة وكل شيء أصبح عبارة عن /كبسولات/ لتسكين الأوجاع في زمن التلوث الفكري حيث شكلت القصة القصيرة جدا صداقة مع قصيدة النثر في محاولة إثبات الوجود. وبين عبدو أن هذا النوع الأدبي يبنى بالتركيز على نواة حكائية مكثفة تتغذى باللغة الشعرية والصورة مع رفض المقدمة والعقدة والخاتمة والكثير من الإغراءات التقليدية التي تجاوزتها الحياة فهي تخضع للتأويل وتعدد التفسيرات والقراءة بين السطور حسب وجود الرمز ومدى قدرة القارئ على التكيف مع الجديد وتأويله. وأشار إلى أن القصة القصيرة جداً ترتكز على قواعد ثابتة غير قابلة للتراجع بعيدا عن الاستسهال وتعتمد على اقتصاد اللغة والدلالة والرمز ووضع المفردة في مكانها المناسب وهي شروط ضرورية لوجود نص مقنع في هذا المجال الجديد مع احتمال التركيز على التناص الذي يصنع صورة مراوغة أحيانا وتستدعي تفكير القارئ وبحثه عن الدلالة الموازية إضافة إلى إمكانية تطعيم القصة بالسخرية الجادة من خلال إعطائها مغزى واضحاً بعيد المدى. من جهته اعتبر القاص هاني دقة أن القصة القصيرة جدا هي فن نثري مكتنز يمتاز بحجمه القصير وسرعة الحوار مشيرا إلى أنها من أصعب فنون الأدب فعلى كاتبها أن يمنح المعنى بطريقة شيقة وممتعة دون أن يمل القارئ منها وجعله يندمج معها ويحس نفسه بطلها وأن يستخدم الكاتب التراكيب المناسبة ويوصل المعنى بطريقة غامضة وذلك ببضع كلمات فحسب. ورأى /دقة/ أن أصل هذا النوع الأدبي يعود إلى أجدادنا العرب حيث أنها كانت تتمثل بالحكمة والطرفة والخبر وهي التطور الطبيعي للقصة القصيرة والرواية الأمثل لها مبينا أن فكرتها جاءت من أننا في عصر السرعة والابتكارات فلا يكفي أن تكون القصة قصيرة فقط بل عليها أن تحوي شيئاً مميزاً ومبتكراً. وتحدث صاحب /بائع الخبز/ عن المشكلات التي يعاني منها هذا النوع الأدبي والتي تتمثل في رفضها من قبل البعض على اعتبار أنها ليست قصة وإنما جزء من قصة أو مشهد من رواية عجز كاتبها عن إتمامها فلجأ إلى هذا النوع الجديد كي يخفي وراء ذلك عجزه. ورأى دقة أن كاتبي القصة القصيرة جدا ينقسمون إلى نخبة تجيد إيصال الفكرة بأسلوب جميل وقاصين عاديين وهم ليسوا من محترفي القصة القصيرة جداً ويحاولون أن يكونوا جزءاً منها أما الفئة الثالثة فهم المنافقون الذين يكونون من محبيها والمدافعين عنها عندما تروج بضاعة القصة القصيرة جدا وينسونها حينما يذهب الضوء عنها. في حين اعتبر القاص محمود سعيد أن القصة القصيرة جداً بمختلف أنواعها وتراتب أنساقها تتفاوت ما بين جنس وآخر وتلعب فيها الزمرة الدموية الكتابية وفاعلية جينات النص الوراثية وحيوية النسغ ونضارة صيرورته القيمة المعيارية في التقريب والتعبيد والعلو والهبوط والقبول والعزوف والانصهار والملامسة والتعميق والتسطيح تردها في هذا الحيز التنظيري دون إقصاء لأي جوهرة في صندوقها الجمالي بإضاءة خاطفة واجتزاء لافت. |
|