تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ليست ككل الزيارات

مجتــمـــــع
الاثنين 26-3-2012
سهيلة علي اسماعيل

سيبزغ الفجر على عجل وتشرق الشمس كالعادة لتخط طريقها عبر التلال الخضراء، لتنشر الضوء في أرجاء تلك القرية الوادعة ،

لكن لشروقها في هذا اليوم معنى يختلف عن معاني الأيام الأخرى. فاليوم لن يجتمع أفراد الأسرة وفي مقدمتهم تلك السيدة القوية. لينتظروا ابنهم الغائب. ذلك الجندي بلباسه العسكري القادم بسرعة ليقبل رأس أمه وبقية أفراد أسرته. مهنئاً أمه وحبه الأول بعيدها حاملاً خوذته بيد وهديته باليد الأخرى.‏

وحب كبير في حنايا قلبه يسبقه الحنان والشوق. وتحرك خطواته المتسارعة لهفة اللقاء.‏

في هذا اليوم يحدث العكس فأفراد الأسرة ومعهم الأم المنكوبة وهي تحمل الورد في يد والبخور في اليد الثانية سيذهبون مسرعين على الطريق الترابي المؤدي إلى المقبرة. وستكون الأم هي الأسرع بين الجميع فلن تجعلها نسمات الربيع الباردة تتمهل لأن قلبها يسبق خطواتها. ومع كل خطوة تخطوها وكل رفة عين تذرف دمعتين من عينيها حتى تصل إلى هدفها.‏

إنه قبر ابنها الذي استشهد منذ فترة ، وها هي في يوم عيدها تأتي إليه لتهنئه بشهادته بعد أن كان هو أول المهنئين لها بعيدها. هي زيارة ليست كباقي الزيارات. فهنا يرقد الجسد فيما الروح تناجي أرواح الأعزاء.‏

حول القبر تحلق الجميع لقراءة الفاتحة والترحم على الابن الراحل جسداً والباقي روحاً وذكرى، هناك حول القبر، تتذكر الأم رائحة ثيابه العالقة بأنفها ويتردد صدى كلماته الدافئة، الحنونة، المليئة بالحب والشوق واللهفة.‏

«كل عام وأنت بخير يا أمي» هناك أيضاً تتحول الكلمات الممزوجة بدمع الفراق «رحمك الله يا حبيبي وأسكنك فسيح جناته» وها أنا آتيك اليوم لأعاهدك أمام الله بأني ورغم الحزن الشديد الذي يكاد يمزق قلبي على فراقك لن أنساك ولو للحظة طيلة حياتي. حبيبي الغالي سأتذكر دائماً كلماتك الرائعة عن حب الوطن وقدسية التضحية من أجله.‏

وسيكون كل من يرتدي لباساً عسكرياً كلباسك هو ابني كما كنت وسأنتظرهم على عتبة باب الدار كما كنت أنتظرك وسأسقي الورود التي زرعها رفاقك حول قبرك لينتشر شذاها في المكان.‏

حبيبي الغالي: أنا وكل الأمهات الثكالى ومعنا الأطفال اليتامى سنجعل من هذا اليوم عيداً لكم وليس لنا. فما قيمة عيدنا دونكم..؟؟‏

تتابع الأم مناجاتها فيصبح لعيد الأم معنى آخر. فرغم الحزن والخشوع المسيطرين على المكان. تكتسب الكلمات والحركات جلالها وعظمتها من جلالة وعظمة الشهيد. لتصبح تلك الأم ومعها الكثير من الأمهات السوريات من أجمل الأمهات . فهي التي انتظرت ابنها فعاد مستشهداً. فبكت دمعتين ووردة ولم تنزو بثياب الحداد.‏

فكل عام وأمهات الشهداء وكل الأمهات السوريات بألف ألف خير.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية