تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


قمــــة بغـــــداد .. و فرصـــــة التصحيـــح ؟

الصفحة الاولى
الاثنين 26-3-2012
العميد الدكتور أمين محمد حطيط *

رغم ان القمم العربية لم تقدم الكثير مما يفاخر به خدمة للمصلحة العربية، ونادرة هي القمم التي اتخذت قرارات استراتيجية لمصلحة العرب

(لكن سرعان ما كان يحدث التراجع عنها جماعة او فرادى)، فان قمة بغداد المقررة في 29 آذار الحالي (2012) سيكون امامها فرصة لتقديم شيء ما رغم ما يواجهها من تحديات:‏

أ‌- فمن حيث التحديات يبدو أولاً تحدي الانعقاد بذاته، خاصة ان فريقا من الذين التزموا وغرقوا واغرقوا العرب في الرهانات الخاطئة والسلوكيات العدوانية على هذا البلد العربي او ذاك، لا يريدون للقمة ان تنعقد. فهم لا يستطيعون تجرع صورة يكون فيها نوري المالكي – رئيس الوزراء العراقي الذي يكرهون – هو الذي سينتزع من القطري «بيدق الريادة العربية» (رغم ان القطري خرج ظاهرا منذ اسبوعين) وان يفرض جدول اعماله على القمة بما لا يتوافق مع المؤامرة التي نفذها الاعراب بالقيادة القطرية - السعودية لمدة عام كامل خلال ما سمي زورا «ربيع العرب» وفي هذا الامر نعتبر ان مجرد انعقاد القمة نجاحا بذاته للعراق وللعرب حتى ولو لم يصدر عنها اي قرار لان في هذا الانعقاد دلالات بالغة منها:‏

1) اعتراف خليجي وعربي اجماعي بالنظام القائم في بغداد والحكومة التي تتولى السلطة وهو ما عملت مجموعة النفط الخليجي بالقيادة السعودية على التنكر له من ابواب شتى بدافع من التعصب الوهابي الذي يرفض الآخر اولاً ويعمل للسيطرة والاستئثار دائماً، وفي هذا الاعتراف دلالة على ان السعودية باتت تخسر وتتراجع مذعنة للانكسار ولم تعد ارادتها هي التي تفرض والآخر يذعن كما كان زرع في الذهن العربي العام.‏

2) اقرار عربي بأن حكومة بغداد ورغم الهجوم الارهابي الذي تتعرض له العراق والذي يذهب ضحيته الابرياء من العراقيين وزوار العراق، قادرة على تنظيم مؤتمر اقليمي دولي وتأمين حماية ضيوفها، وهذا ما يعطي الحكومة العراقية دفعا معنويا للسير قدما في تثبيت سلطتها وتفعيل العمل الامني مستقبلاً.‏

3) التأكيد ان العرب ومهما عصفت الخلافات بينهم (وهم الآن في الوضع الاسوأ من تاريخهم الحديث) قادرون على اللقاء في مكان واحد ولديهم الرغبة بالتحاور رغم ما تخفي النفوس، وما يحيط بهم من ظروف وتهديد متعدد العناوين.‏

4) العودة الى البيت العربي بشيء من التوازن بعد ان رفض حضور مسؤولين من «ترك او غرب» كانوا قد وجهوا الجامعة العربية وتحكموا بقراراتها ابان الرئاسة القطرية وتسببوا بما هو معلوم من مآس للعرب. و ان في غياب اردوغان التركي عن قمة بغداد دلالة بالغة لتصويب المسار خدمة للجامعة العربية.‏

ولا يخفف من النجاح في الانعقاد غياب هذا الرئيس او ذاك الملك أو الامير، لان المعول عليه هو تمثيل الدولة بذاتها طالما ان الممثل لن ينطق إلا بما تعتمده الدولة ويعبر عن سياستها. (نرى تفسيرا منطقياً لغياب البعض عن قمة بغداد، لجهة القول انه غياب الخائبين في التآمر على العرب، واللذين لن يحتملوا ان يسمعوا من احد تحميلهم مسؤولية انهيار الجامعة وتحولها عن اهدافها) وكذلك لن يخفف من الاثر الايجابي لانعقادها القول إن من اجل 3 ساعات هي مدة المؤتمر انفقت الحكومة العراقية ملايين الدولارات على الامن وتسببت بمعاناة للعراقيين بسبب التدابير الامنية لاسبوع كامل.‏

ب- اما بالنسبة للفرص فان امام القمة اهم فرصة تتطلع اليها الشعوب العربية وهي فرصة تصحيح مسار الجامعة، هذه الجامعة التي حولها «مثلث الشر» والتآمر على العرب والمتمثل بالسعودية وقطر وتركيا، الى أداة تدمير وفتك بالعرب كما حصل في ليبيا وتكررت المحاولة في سورية، وهنا ورغم فشلهم و تمكن سورية من الإفلات من مكائدهم وحقدهم، فان فعلهم يبقى وصمة عار لن يمحوها تاريخ او اعتذار. لذلك سيكون مطلوبا من الجامعة في قمتها البغدادية:‏

1) التراجع عن كل القرارات التي اتخذت خلافاً لميثاقها، واعتدت بها على سورية من غير تمييز بين قرار طفيف او جسيم في خطورته ودلالاته. نقول هذا مع ان الزمن تخطى هذه القرارات، ومع ان الصمود السوري والاحتضان الاقليمي والدولي لسورية عوض كثيرا عن مأسي العدوان الاعرابي عليها، وان هذه القرارات ليس لها محل اليوم في عالم الاحترام والفعالية لدى احد فاعل، ومع هذا يجب ومن اجل الجامعة وانقاذها ان يتم التراجع عن هذه القرارات التي اعتمدتها الجامعة الاعرابية بعد ان «تسعودت وتقطرت».‏

2) العودة الى الاصول والمبادئ التي قامت عليها الجامعة العربية والمحددة في ميثاقها والمتمثلة في شكل خاص باحترام سيادة الدول الاعضاء وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وهو الامر الذي خرقته «الجامعة المسعودة – المتقطرة» ثم وضع آلية للطعن بأي قرار يفرضه المال او التهديد، عبر التحصن بهيئة قانونية قضائية عربية يجب ان تنشأ لتشبه المجالس او المحاكم الدستورية في الدول الديمقراطية لمواجهة طغيان السلطة التقريرية او التشريعية فيها.‏

3) الالتحاق بسورية التي انتصرت على المؤامرة التي شاركت الجامعة الاعرابية في حبكها وتنفيذها، حتى تعوض الجامعة بعضاً من خطاياها تجاهها وتحجز لنفسها مقعداً ولو منخفضاً في قطار حل الازمة السورية الذي انطلق بعد ان تمكنت سورية من معالجة المظاهر الاساسية للعدوان الارهابي المسلح عليها وتتابع بثبات معالجة ما تبقى وبعد ان اطلقت عمليتها الاصلاحية التي تفتقدها على الاقل 15 دولة عربية في طليعتها دولتا العدوان المباشر على سورية (السعودية وقطر)، نقول هذا لان سورية لن تلهث وراء منظمة اخرجت قلبها العربي من صدرها لتحل الاجنبي على رأسها قائدا مرشدا ( وعلى هامش الموضوع هذا اضحكني تنطع امين عام الجامعة لموقع الرئيس الأسد واستبعاده بحث تنحيه في المؤتمر و كأن الامر مطروح عند احد من العقلاء والموضوعيين أصلاً).‏

4) الالتزام بخطاب اعلامي عربي حقيقي يجمع و لا يفرق، يوعي على المخاطر الحقيقية التي تتهدد العرب وليس التعمية على الخطر الحقيقي وتلفيق اخطار مزعومة، نعم يجب الاقلاع عن الاعلام الصهيوني الاجنبي الناطق بلغة عربية، وهو الاعلام القائم اليوم من اجل ان يحرض العرب على العرب والعرب على الايرانيين والمسلمين على المسلمين. ان العرب لا يطلبون من مؤتمر قمة بغداد اكثر من قرار وقف بث السموم الاعلامية التي تنفثها الفضائيات الاعرابية وتهدر الملايين او المليارات من الدولارات من اجل الفتنة والقتل والتفتيت والتشتت.‏

وبالخلاصة نقول يكفي قمة بغداد 2012 ان تنعقد وتتخذ هذه القرارات السهلة – الصعبة حتى تكون قد نجحت ودخلت التاريخ كالقمم المميزة النادرة، خاصة ان الظروف باتت ملائمة لاغتنام فرصة الانقاذ الذاتي للجامعة في حقبة من الزمن تشهد تحولات جذرية على الصعيد الدولي حيث انكسرت الاحادية القطبية، واندحرت القوى الاجنبية عن العراق ولبنان وصمدت سورية في وجه المؤامرة التي تحطمت على اقدام شعبها الواعي. فهل تكون قمة بغداد «قمة التحول» في المسار العربي وتطلق اللاءات الثلاث : لا للعدوان، لا للتحريض، لا للتآمر على اي دولة عربية، وتتمسك بـ: نعم للعمل العربي المشترك المحترم لميثاق الجامعة، نعم للتحالف الاقليمي الصادق، ونعم للتوازن في العلاقات الدولية؟ ثم معا لتحرير فلسطين التي تبقى هي القضية.........‏

* أستاذ جامعي وباحث استراتيجي‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية