|
إضـــــــــاءات إن أغلبية السوريين مع الإصلاح الشامل لبنية الدولة والانتقال بها إلى الفضاء الديمقراطي التعددي التشاركي الذي يكرس مبدأ تداول السلطة وسيادة القانون ويجسد مفهوم المواطنة بشكل حقيقي, بعيداً عن اي اعتبار سياسي أو حزبي، وباعتقادنا أن الدستور الجديد المقر باستفتاء شعبي يشكل مدخلاً معقولاً ومناسباً للوصول إلى ذلك الطموح، وهو ما يمكننا الوقوف عليه خلال فترة ليست بالبعيدة بالنظر إلى تحليل ناتج الاستحقاقات الديمقراطية المقبلة والمناخات التي تسودها ودرجة حيادية السلطة في آليات سيرها والتأثير في مخرجاتها. وفق ما سبق، يمكننا الحديث عن مسارين واتجاهين وتصنيفين للقوى الفاعلة في الداخل السوري، وخط سير الأحداث فيهما يتمثلان بقوى الإصلاح وتضم أغلبية الشعب السوري والسلطة الوطنية، مضافاً إليها المعارضة الوطنية الرافضة للتدخل الخارجي ولديها استعداد مشروط للدخول في حوار وطني يشكل مدخلاً للخروج من الأزمة، والقوى الأخرى المتمثلة بالمعارضة الرافضة للحوار مع السلطة الوطنية والمستقوية بالخارج على الداخل التي يصنفها كثير من السوريين بمن فيهم أطراف من المعارضة الداخلية أنها معارضة لا وطنية كونها تعول على العامل الخارجي لحل أزمة داخلية لم تستنفد بعد فرص حلها عبر آليات الداخل ومؤسسات الدولة الوطنية. ووفق ما سبق، يمكننا الحديث عن جملة أخطاء وقعت فيها المعارضة الخارجية من وجهة نظرنا، أولها أنها ارتكزت في معارضتها وإسنادها على دول هي في الوعي الجمعي للسوريين وفي الذاكرة السياسية الكلية تحمل صورة العدو التاريخي للعرب والمسلمين سواء كانت فرنسا وبريطانيا، سايكس بيكو وغورو أم أميركا الحامل التاريخي والحامي للكيان الصهيوني منذ هاري ترومان مروراً بجونسون ونكسة حزيران، وكيسنجر وريغان وبوش الأب والابن ومئات الآلاف من القتلى في العراق وأفغانستان وغيرهما من بلدان عربية وإسلامية، وهذا ما أفقد المعارضة الخارجية مصداقيتها، فلا يمكن لمواطن سوري أو عربي من وجهة نظرنا الاقتناع ان فرنسا وبريطانيا وأميركا تريد الخير للسوريين أو العرب عموماً باستحضاره لذاكرته القريبة أو البعيدة، أما الخطأ الأخر فيتمثل برفضها للحوار مع السلطة الوطنية واعتمادها على العامل الخارجي ورهانها النهائي عليه، معتقدة أنها قادرة على الدفع به لمباشرة خيار القوة العسكرية لإسقاط النظام، ما يجعلها تصل للسلطة وهو هدفها الاستراتيجي مهما حاولت الاختباء خلفه من عناوين إصلاحية تمكنت السلطة الوطنية السورية من انتزاعها منها عبر جملة الإصلاحات البنيوية التي أطلقتها واستطاعت من خلالها كسب جمهور واسع من المحتجين وبعض قوى المعارضة الداخلية وإدخالها في دائرة المساهمين في برنامج الإصلاح الوطني والمعارضين للخارج، ما رفع من الرصيد الشعبي للسلطة الوطنية السورية، وهذا ما يمكن لحظه بقراءة المشهد الاحتجاجي بتقلص أعداد المتظاهرين والمحتجين إلى أدنى المستويات وبالمقابل اتساع دائرة المؤيدين للسلطة الوطنية وبرنامجها الإصلاحي وقدرتهم على ملء الساحات وبأعداد كبيرة ومتزايدة بشكل تدريجي واضح للعيان. أما الخطأ الأهم، فيتمثل بما ارتكبته المعارضة الخارجية وداعموها باللجوء إلى العنف والقتل والتسلح وتخريب المنشآت وقتل واستهداف العسكريين والمدنيين ومحاولة اضفاء طابع طائفي للوضع في سورية، بهدف خلق مناخ فتنة يدخل السوريين في حالة احتراب داخلي يشظي المجتمع السوري المتناغم والمتوائم تاريخياً ويحيله إلى بلوكات سياسية طائفية ومذهبية وعرقية تحكمها عناصر تناقض وتناحر أكثر مما هو عليه من التعاضد والتوافق والتآخي والانسجام المتناغم، ولعل هذا هو واحد من أهم الأسباب التي جعلت السوريين أكثر تماسكاً ووعياً ورفضاً للمؤامرة التي حاولت العصف بوطنهم والذهاب به إلى المجهول. ومن جملة الأخطاء الكثيرة والكبيرة التي وقعت فيها المعارضة الخارجية قراءتها للمشهد الدولي والإقليمي، وهو ما يعكس حقيقة أنها تعيش حالة جنينية في التعاطي السياسي، إذ لم تحسن تقدير الوزن السياسي لسورية في المعادلات الإقليمية ومركزية دورها في قضية الصراع العربي الصهيوني وتشكيلها للخندق المتقدم للمنظومة الاستراتيجية المقاومة وريادتها للخط العروبي بحكم موقع دمشق التاريخي، في هذا الإطار ولما لهذين العاملين من استطالات عربية وإقليمية، إن كان لجهة الدول الفاعلة في الإقليم أو لجهة القوى السياسية الوازنة على امتداد الساحة العربية والتي ترى في دمشق المدافع عنها والحامل للوائها، وأنها المستهدفة دولياً لهذين العاملين المهمين، ما جعلها تستنفر رصيدها الشعبي والسياسي دفاعاً عن سورية والمعاني التي تمثلها. وإضافة لما تقدم راهنت المعارضة الخارجية على معادلة النفوذ والقوة الأميركية واهمة أن أميركا أوباما هي أوباما بوش الاب والابن، وأن روسيا ميدفيديف وبوتين هي روسيا يلتسن وغورباتشوف، وأن التنين الصيني نائم ولن يستيقظ، فكانت اسيرة صورة الماضي وتعامت عن قراءة حقائق اليوم وما أصاب ميزان القوى العالمي من تبدل وتغير لا يسير في مصلحة من راهنت عليه، فخسرت الرهان وهاهي اليوم هائمة على وجهها تعيش حالة تشرذم وتخبط وتشض وانعدام وزن داخلي وخارجي إلى حد كبير, لقد وقعت المعارضة السورية تلك في تناقضات حادة مع ما أطلقته حركة الاحتجاج من شعارات من قبيل (سلمية سلمية) التي تحولت إلى معارضة مسلحة، و(حرية حرية) وهي ترفض الحوار الذي هو جوهر العملية الديمقراطية، و(واحد واحد واحد الشعب السوري واحد)، ونحن نراها اليوم تطلق عناوين طائفية تحت مسميات بمدلولات مذهبية على كتائب عسكرية وهمية، إضافة إلى أنها كانت تدعي رفض التدخل الخارجي وهي التي ترفع شعارات من قبيل التدخل الخارجي يحمينا ,كل ذلك يشير إلى ان المعارضة الخارجية قد وقعت في حفرة اعتقدت انها ستوقع النظام بها، وهي لم تعد قادرة على الخروج منها، لا بل انها تزيد من الحفر، وهنا تبدو الفرصة الوحيدة أمامها متمثلة بانعتاقها من سطوة الخارج وإعلان طلاقها البائن بينونة كبرى عنه، وأن ترعوي وتنخرط في حوار وطني سوري يقبلها، ومنطلقاً من نظرة للمستقبل ولمصلحة الشعب السوري، دونما حاجة لطرح اسئلة من قبيل لماذا وكيف؟ لأن الوطن أكبر من الجميع؟ |
|