|
معاً على الطريق فالصورة التي تحولت إلى حدث، وإلى الخبر الأول في الكثير من شاشات العالم والتي لم تترك مجالا لكلام آخر، ولم تتح لأي شيء آخر أن يكون، أو لا يكون في ظل هوس الموت المتنقل في الطرقات والأزقة، وفي البيوت المهجورة، بدت عاجزة أمام الأطفال النواطير لجثامين أمهاتهم، وقد اختلط القتل بالجوع والهلع بالذعر والموت بالدم. تستطيع أن تبتكر ما تشاء من عناوين ومانشيتات أن تختار ما ترغب من صور وحكايات وتفاصيل، أن تفرد في المساحات، لكنك أمام مفارقة الحياة والموت تبدو عاجزا حتى عن التفكير في الخيارات، وقد لامست شغاف ما تبقى في هذا الوجود من احتمالات، وأنت تقف أمام أطفال حولتهم مجزرة متنقلة تزرع الموت حيث حلت، إلى نواطير لجثامين أمهاتهم، وقد أدمنها القتل. وتستطيع أن تحتج أن تستنكر أن تصرخ، وأن تعتصم ما شئت، وتستطيع أن توبخ، وأن تقول ما تستنطقك به المأساة الحافلة بأبشع فصول الموت في العصر الحديث، وأن تترك ما شئت من وصايا من نصائح، لكنك أمام نواطير الجثث تقف عاجزا، فالمفارقة هنا لا تفسح في المجال أمام خيارات، ولا تبيح لك أن تستنطق أو أن تستنتج، وقد استنطقت حتى الحجر، واستنتجت كل عبر الوجود. وربما تستطيع أشياء أخرى لكن أن يتحول الأطفال إلى نواطير لجثامين حولتها مجازر الموت إلى شواهد على أن الفاصل بين المفارقة في قلب المأساة والتشفي الذي يصفعك من مواقف البعض، هو ذلك الخيط الفاصل بين الرعب والرعب بين الموت والموت على حصائر مطرزة بالدم أو سجاجيد موشومة بالجوع حتى الموت !! كأن صفعة التجويع حتى الموت أو القتل القابعة في وجدان الأحاسيس المجمدة عند أطراف الفعل العربي لم تكن كافية لتوقظنا، وكأن صفعة الخيانة الملطخة بدماء الأطفال وهم يصلبون بنيران الفاشية الإسرائيلية المتنقلة إلى كل بيت في غزة فشلت في إحياء إرادة الوجود، فأرادوا أن تكون في الأطفال النواطير للجثامين والمنتظرين للموت الزاحف إليهم من النوافذ المشرعة على القتل والجوع والهلع. المفارقة أن الصورة التي فشلت في رسم أحاسيس أولئك الأطفال وهم يحرسون جثامين أمهاتهم على مدى أيام ثلاثة بساعاتها، ودقائقها وثوانيها بليلها ونهارها بريحها وبردها، تلك الصورة لا تزال تصفعنا، وتصفع معنا كل حديث عن الحياة أو الحق أو الإنسانية المهجورة والمرمية في الزوايا المهملة للنظام العالمي الجديد الذي تقوده أميركا، وتختبئ في عرباته أصوات العرب المعتدلين وهم يتسولون في أروقة نيويورك!! |
|