تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


سورية الجميلة...رسائل في الحب الستيني (3)

رسائل في الحب الستيني
الأحد 7/10/2007
أسعد عبود

بعد الظهر استراحت المدينة من أمطار استمرت أياماً متتالية.. فرصة لنا كي ننطلق الى الشوارع بحثاً

عن مخرج من غرفنا المستأجرة التي وإن دفئت بأرواحنا لم يكن ينقصها البرد والكآبة. لم تكن متنفساتنا في هذه المدينة الساحلية الصغيرة كثيرة.. مكتبة (يوسف كردية) نتزاحم على واجهتها نقرأ عناوين الصحف التي كان يضعها صاحب المكتبة بشكل تسهل علينا ومعظمنا طلبة قراءة العناوين على الأقل.. أو سينما الفردوس.. ولم تكن بحاجة تسمية لأنها الوحيدة في مدينة (جبلة).‏

السينما كانت ممتعة فعلاً وفيها شاهدت أهم الأفلام, لكن كان لها مشكلات..? فالأفلام قديمة بشكل طبيعي ولم تكن مشكلة شديدة الوقع علينا لأنها مهما عتقت هي جديدة في مديتنا بسينماها الوحيدة وكان في السينما آلة عرض واحدة, وبالتالي كل نحو نصف ساعة هناك استراحة بذر وعبيد وقهوة محمولة.‏

كنا لا نحضر إلا والعرض لفلمين دفعة واحدة كي تستحق الأجرة وهي سبع فرنكات أو /35/ قرشاً, لم تكن قليلة.. نتيجة ذلك كله كنا ندخل السينما في السادسة مساء ونغادر الواحدة بعد منتصف الليل .‏

أقنعني زميلي الشاب الجميل أن نعدل عن فكرة السينما.. كان هناك فيلمان واحد عربي لإسماعيل ياسين وفيلم هندي يوجد في اسمه عبارة حب أبدي.. قال لي محمد:‏

اسمع ... ما هذا الأبدي ?! ليس في الدنيا شيء أبدي..‏

قلت: وسوريا..والعروبة.. وكان يقدسهما..‏

قال: موجودة بوجودنا فإن غادرنا انتهت بالنسبة لنا وانتهينا بالنسبة لها.. لا أبدية في الحكاية..‏

(سيأتي زمن آخر اكتشف الحب فيك ولك واسميك سورية الجميلة.. وأقول أن الأبدية مسألة نسبية..)‏

أقنعني بمشوار باتجاه البحر وقبل أن نصل وعلى صوت الأمواج الصاخبة قال هيا نعود..‏

قلت: دعنا نصل الى البحر..‏

قال: إن البحر يحاصرنا.. وأنا أكره الحصار..‏

روى لي رقيب أول على الجبهة وقد تصادف لقاؤنا على مصطبة بيت في الجولان وكانت أيام حرب روى لي: عن حصارهم في موقع في الجبهة..‏

سألته كيف نفدت من الحصار..‏

قال: الضابط الذي كان يقودنا طلب منا الاستبسال, ثم عندما اشتد الحصار طلب من المتزوجين أن يغادروا الموقع وغطينا خروجهم منه, ثم طلب منا جميعاً أن نغادر وغطى انسحابنا بنفسه..‏

قلت: وهو‏

قال: لا أعلم..‏

حكاية أخرى لشهيد آخر.. وبنوع من الفضول سألته ما اسم هذا الضابط: قال محمد المحمد..‏

بعد أن ذهب الى الكلية الحربية وتركني ناجحاً ويعيد بحثاً عن دراسة الهندسة قلما رأيته?! نحن في الحقيقة كنا زملاء.. لم نكن أصدقاء حميمين.. لكنني كنت معجباً به فلديه قدرة على الصدق غير محددة. ويوم اليتقينا في دكان على جانب سينما السفراء بدمشق.. كان الراديو يذيع بياناً عن اشتباك سوري-إسرائيلي في الجو.. ولم تأخذه الفرحة بإسقاط طائرات إسرائيلية قال: خسائرنا أكثر.. إنهم يحصروننا..‏

كان يكره الحصار.. وكان عروبياً.. وكان يحب سورية.. لعله استشهد تحدياً للحصار أو إخلاصاً للحب.. لا أدري..‏

تشرين الأول 1973 كان موسماً للشهادة.. وكان موسماً للحب..‏

سورية الجميلة أنت.. ومن رحمك سيولد الحب.. وسنسميه سورية.. وسنتحدى الحصار.. حصار الألسنة.. حصار الأعين.. حصار عروض الحب الكاذبة ليبقى فقط الحب القادر على ا لبقاء حبي لك.‏

a-abboud@scs-net.org‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية